الرئيسية مقالات واراء
الجديد والمثير في معركة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع الغرب، أنه أضاف سُبة ثانية للأوروبيين؛ "فاشيون". فبعد أن نعت الألمان بالنازيين، مع علمه الأكيد بما ينطوي عليه هذا الوصف من إهانة في قاموسهم، اتهم الهولنديين بأنهم من مخلفات الفاشية والنازية.
ومثلما توعد ألمانيا بالقصاص، هدد هولندا بعواقب وخيمة، بمنطق يحاكي التهديدات التي أطلقها تجاه الولايات المتحدة لامتناعها عن تسليم فتح الله غولن لتركيا بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة. وليس بعيدا عن المشهد الحالي ما قاله بحق روسيا عقب إسقاط الطائرة، ثم عاد ولحس كلامه، وقدم الاعتذار لبوتين، لا بل وتحالف معه في سورية لمحاربة "الإرهاب"!
بالطبع لم يفعل أردوغان شيئا يذكر بحق أميركا، ولن يكون بمقدوره ذلك مستقبلا. والمؤكد أنه لن يستطيع ترجمة تهديداته بحق ألمانيا أو هولندا، إلا بذلك المقدار من العقوبات السخيفة كمنع الطائرات من الهبوط في مطارات تركيا، وعندها سيكون المتضرر الاقتصاد التركي، وليس العملاق الاقتصادي الألماني.
الأسوأ من ذلك كله أن أردوغان وفي معركته "المضمونة" لكسب التأييد للتعديلات الدستورية، استعاد خطاب الكراهية مع الغرب، وحقبة الاستعمار التي طوتها هولندا وألمانيا وسواهما من الدول الأوروبية.
يروق مثل هذا الاستدعاء التاريخي للكثيرين في عالمنا "الخاص"، لكن غير الأخلاقي في توصيفات أردوغان لألمانيا وهولندا، التعامل مع شعبيهما وبوصفهما امتدادا للحقبة النازية والفاشية.
أردوغان لا يجهل التاريخ أبدا، فهو يدرك حجم التضحيات التي قدمتها هذه الشعوب للانتصار على النازية والفاشية. ملايين البشر سقطوا في معركة الإنسانية ضد تلك الحركات. ألمانيا دفعت ثمنا باهظا لحروب لم يخترها الشعب، وما تزال حتى يومنا هذا تحارب كل من تثبت صلته بالفكر النازي.
ويعلم أردوغان ما تعانيه ألمانيا من ضغوط للتوقف عن استقبال اللاجئين السوريين والعرب، وأكثر من ذلك احتضانها لعشرات الآلاف من اللاجئين الذين قذفتهم تركيا في البحر، ولم يجدوا غير ألمانيا لتحتضنهم.
ألمانيا ومعها عموم أوروبا، تخوض مواجهة مفتوحة اليوم مع تيار الشعبوية المتصاعد على وقع فوز دونالد ترامب في أميركا. يمين أوروبي كاره للآخر يتغذى بقوة على خطاب أردوغان المتطرف، ويجد فيه مبررا قويا لطرد المهاجرين، وإغلاق الحدود في وجه الفارين من "حروبنا" الأهلية. خطاب يمنح أنصار الـ"إسلاموفوبيا" قوة الدليل على صحة موقفهم من الإسلام. كل هذا من أجل الفوز في الاستفتاء. أردوغان لا ينكر ذلك، ففي خطابه الشعبوي أمس قال بالحرف الواحد: "علينا أن نلقن دول الغرب الدرس الذي تستحقه يوم الاستفتاء16 نيسان".
في المعارك السياسية والانتخابية، عادة ما يستخدم الساسة كل ما لديهم من أسلحة للفوز. لكن أردوغان تجاوز معركته الداخلية لعداء قاتل مع العالم الخارجي، بلغ حد إهانة ملايين البشر. ألا يعرف أردوغان أن وصف الألمان بالنازيين إهانة إخلاقية لا يحتملها الضمير الإنساني؟!