الرئيسية مقالات واراء
بعيداً عن الجدل الذي اجتاح وسائل التواصل الاجتماعي الأردنية بخصوص الموقف من أحمد الدقامسة (الذي أفرجت عنه السلطات بعدما أنهى محكوميته)؛ بين من يراه بطلاً ومن يراه قاتلاً لمدنيين، وعلى الرغم من أهمية رصد هذا النقاش السياسي والفكري بمضمونه الثقافي والقيمي، فإنّ تفكير الدوائر الرسمية، بل بعبارةٍ دقيقة أكثر، هاجسها الرئيس، يكمن في جانب آخر من القضية، ويتمثّل في ضمان سلامة وأمن الدقامسة خلال الفترة المقبلة، وربما لما تبقى من حياته.
الهاجس الأردني لا يخرج عن إدراك عميق تاريخي لطبيعة العقلية الإسرائيلية التي تلجأ عادة إلى الاغتيال للتعامل مع الخصوم والأعداء، أو للانتقام ممن قتلوا إسرائيليين. وفي حالة الدقامسة، فإنّ الرغبة الإسرائيلية ستكون –بلا شك- موجودة وقائمة. لكن ما قد يحول دون تحقيقها هو ما سيترتب عليها حتماً من أبعاد سياسية كبيرة على العلاقة بين الأردن وإسرائيل.
ليس واضحاً فيما إذا كانت الحكومة قد أعلمت الطرف الإسرائيلي، مسبقاً، بقرار الإفراج عن الدقامسة، ووضعتهم في صورة أي خطوة متهورة خطرة من قبلهم. لكن سواء حدث ذلك أم لا، فإنّ الإسرائيليين يدركون تماماً هذه القضية، وتحديداً رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو الذي كان متورطّاً في محاولة اغتيال خالد مشعل في عمّان (في العام 1997)، ويتذكّر كيف أنّ الملك الراحل الحسين بن طلال، وضع إلغاء معاهدة السلام نفسها على الطاولة مقابل الدواء الوحيد الموجود بيد الإسرائيليين لإنقاذ مشعل، وربط تسليم العميلين الإسرائيليين اللذين نفذا العملية بالإفراج عن زعيم حركة "حماس" أحمد ياسين؛ فكانت كلفة تلك العملية سياسياً ورمزياً واجتماعياً كبيرة على الإسرائيليين.
في المحصلة، فإنّ أي قرار (أو محاولة) إسرائيلية باغتيال الدقامسة، سيكون على أعلى مستوى في الحكومة الإسرائيلية، لأنّهم يدركون تماماً حجم التداعيات والأبعاد السياسية والشعبية والأمنية المترتبة على مثل هذا السيناريو الخطر.
هذه الحسابات الدقيقة (فيما يخص الدقامسة) تأتي في لحظة دقيقة أيضاً، مرتبطة بالتوتر السياسي والشعبي الأردني والفلسطيني فيما يخصّ سيناريو محتمل لنقل السفارة الأميركية إلى القدس. وهو أمر قد يحدث في الأشهر القليلة المقبلة، وفق توقعات عديدة، ما يعني أنّ نتائج أي محاولة إسرائيلية ستكون مضاعفة.
بالرغم من كل تلك الحمولة السياسية الثقيلة المترتبة على موضوع سلامة الدقامسة، فإنّ المؤسسات الرسمية لم تهمل الجانب الأمني بتاتاً. إذ اتخذت قراراً بالإفراج عنه بصورة هادئة، ومحاولة تجنّب أي تعبئة سياسية مستفزة. وتفهّمت عائلته وعشيرته الاعتبارات الأمنية الكامنة وراء هذه الإجراءات. بينما تشير المصادر المقرّبة من الأسرة إلى أنّ هناك إجراءات أخرى مرتبطة بسريّة مكان الإقامة، وترتيبات لحراسة أمنية، ضمن مسؤولية حمايته.
من الواضح أنّنا أمام حالة سياسية استثنائية، غير تقليدية، تجد الدولة فيها نفسها ملزمة بحماية مواطن أردني من احتمالات تهدد سلامته، بالرغم من أنّه دين أمام القضاء الأردني وقضى 20 عاماً في السجن، لكن مسؤولية الدولة رمزياً وسياسياً وأمنياً تجاهه لا يمكن التفريط بها أو التنازل عنها.