الرئيسية مقالات واراء
أحمد حسن الزعبي
كانت زلّة لسان أحدهم والتي تشي بنعيم جديد حطّ في بيتهم تجعلنا نرتدي ثياب التذلل أياماً غير معدودات..فمثلاً إذا قال أحد الأولاد: كنت ألعب أنا وأخوي أتاري مبارح ونسيت انسخ الدرس..فيتساقط السؤال كزخة مفاجئة من عدة أفواه: عندكو أتاري؟؟؟…
فيفصح الولد بتردد عن هذا الترف الذي لم نسمع به من قبل: أبوي جابها من الكويت!..فنرجوه أن يحضرها ليوم واحد إلى المدرسة لنراها..أو نبادره بزيارة إلى بيته من باب التواصل الأخوي..(يا لؤي يا لؤي جيبها يوم نلعب فيها..طيب نيجيك ع الدار وإحنا بننسخ لك الدرس..ول حبيبك خليني أشوفها )..فيتدارك نفسه قائلا: آه صح نسيت مهي خربت!…ثم نعود : (يا لؤي بس قطوزة جيبها نشوفها ورجعها معك قطّوزة بس)..
وبعد إلحاح يومي والتقرب الدائم للؤي لمدة فصل كامل يتفضّل علينا الصبي ويحضر كرتونة الاتاري ويرينا الصورة من الخارج فقط” هاي رسمة كبساتها ..هظول الأسلاك وهون بفوتن بالتلفزيون..وهاي الأيد اللي بتحرك) ثم يطوي الكرتونة ويدخلها بحقيبته ثانية ..دون أن نلمسها أو نعرف كيف تعمل على أرض الواقع…فقطعة الكرتون هي كل ما هو مسموح لنا النظر إليه للحظات دون السماح لنا بإطفاء الشوق للتعرف على "كائن الأتاري”..
في فترة المراهقة تكرر نفس الشيء لكن برسائل الحب..فإذا أخطأ أحدهم وذكر في لحظة مصارحة انه تلقّى رسالة من إحدى فتيات المدارس، كان كل الصف يرجوه أن يقرأ الرسالة أو يرى خط الأنثى المكتوب لهذا الذكر المحظوظ فيتمنّع العاشق الغض ّ بنفس سماجة لؤي متحجّجا: ” شلّخت الرسالة زمان”..ثم نعود لنفس الإلحاح ” يا هاظا ولّ بس نقرا أول سطر منها..قطّوزة..نقرا قطوزة ونرجع لك إياها…طيب نشوف بس إذا انك صادق وبس..طيب شو اسمها؟؟..فيرفع أنور وجدي كتفيه رافضاَ الإفصاح ..وبعد إصرار يومي لمدّة فصل كامل يتفضّل علينا دنجوان الحارة ويطلعنا على "صفحة مسطّرة من دفتر 32” مكتوبة بخط أحمر مرتجف فلا نحظى بقراءة أكثر من الترويسة "بسم الله الرحمن الرحيم” ويغطي بأصابعه على باقي النص والكلام..ثم يطويها على عجل ويضعها بجيبه الخلفي دون أن ندري صدقه من كذبه أهي رسالة حب فعلاً أم ورقة امتحان الإملاء؟…
النواب منذ انتخاب المجلس قبل شهور وهم يلحّون بشدة على ضرورة اطلاعهم على بنود اتفاقية الغاز الموقعة مع العدو الصهيوني..”قطّوزة بس نشوف البنود قطوزة وبنرجعلكوا إياها”..والحكومة تحاول أن تتهرّب من زلّة اللسان التي باح بها الطرف الآخر من الاتفاق..أخيراً فعلت الحكومة بالنواب كما فعل طفل الأتاري والحبيب المراهق مع زملائه ” اطلعوهم على الترويسة فقط..وغطّوا بأصابعهم على باقي البنود السرّية…وشرحوا لهم على الكرتونة..”هاي رسمة فقراتها..هاي دفعاتها..وهاي الأيد اللي بتحرّك الاتفاقية ثم لملموا أوراق العقد الإجباري دون أن يلمسها نائب أو يعرف خطورة تفعيلها خبير أو يفهمها الشعب الذي دفع وسيدفع ثمنها طويلاً..”
وغطيني يا كرمة العلي …”قطّوزة”!