الرئيسية مقالات واراء
اجتماع وزراء الخارجية التحضيري للقمم العربية، عادة ما يعطي المؤشر على مدى التوافق الذي سيطبع أعمال القمة اليوم.
ولا يستطيع عاقل أن ينكر الخلافات في المواقف بين الدول العربية، وتباين المقاربات حيال ملفات ساخنة، والحساسيات بين أعضاء الجامعة العربية نتيجة لما يدور في عالمنا العربي من تحولات تاريخية، وأزمات مفصلية، ستغير وجه المنطقة، لا بل إنها غيرتها فعلا.
كان الأردن يدرك هذه المحددات وهو يستعد لاستضافة القمة العربية. لم يكن لدى أحد أوهام بإحداث اختراقات كبرى في المواقف والقرارات، لكن كان هناك إصرار على جعل قمة البحر الميت نقطة تحول في العمل العربي المشترك.
الأردن، وبحكم مواقفه المعتدلة وعلاقاته المتوازنة مع مختلف العواصم العربية، بدا مؤهلا لوضع لمسته على أعمال القمة العربية.
نقطة البداية لهذا المسار هي ضمان مشاركة فعالة في أعمال القمة، وقد تمكنت عمان بالفعل من إقناع جميع القادة العرب بالمشاركة، ليبلغ مستوى التمثيل درجة غير مسبوقة منذ سنوات.
والاستجابة من زعامات عربية مهمة، عكس شعورا كبيرا بالمسؤولية، ورغبة بتخطي حالة الضياع التي تعيشها أمتنا.
التحضيرات تطلبت من الدبلوماسية الأردنية التحرك على كل المستويات، والتفاعل مع عواصم القرار، للتوافق على أولويات القمة وأجندتها.
منذ سنوات لم يتوفر للدول العربية جدول أعمال مشترك وموحد، وكان على قمة قمة عمان "البحر الميت"، إن أرادت أن تكون نقطة تحول بالفعل، صياغة وثيقة مهمات تمثل الجميع وتعكس أولوياتهم.
اجتماع وزراء الخارجية العرب نجح في خلق هذا التوافق حول جدول أعمال موحد للدول العربية.
لكن أهم ما حصل في هذا السياق، هو الإجماع العربي الكامل على أن قضية فلسطين هى الأولوية الأولى على أجندة الأمة؛ قادة وشعوبا. والتمسك بثوابت الحل العادل للصراع مع إسرائيل على أساس مبدأ حل الدولتين، وقرارات الشرعية الدولية، ورفض أي محاولات مدسوسة لتعديل مبادرة السلام العربية، والتشديد على حق العودة للاجئين الفلسطينيين، ورفض المساس بمكانة القدس المحتلة وهويتها العربية والإسلامية.
إن الالتفاف حول قضية الشعب الفلسطيني هو بمثابة طريق سريع لتحقيق التوافق العربي، فما من قضية عند العرب تحظى بإجماعهم مثلها.
ولهذا تصدّر الملف الفلسطيني محضر قرارات وزراء الخارجية التي تم رفعها للقادة العرب.
لم تغب الأزمة السورية عن اهتمام المجتمعين، وكان من المهم في هذا الصدد تجاوز الخلافات بين مواقف بعض الدول، والانحياز التام والمطلق من جميع الدول لحق الشعب السوري في تقرير مستقبله، بعيدا عن التدخلات الخارجية التي دانتها قرارات القمة بكل صراحة.
الجوهري في قمة العرب في الأردن، أنها تعيد الاعتبار لموقف الدول العربية الموحد الذي غاب عن طاولة المناقشات الدولية لسنوات. فبعد قمة عمان "البحر الميت" لم يعد بوسع القوى الإقليمية والدولية تجاهل الموقف العربي، ويتعين عليها أخذه بالحسبان وهي ترسم خطوط الحل لأزمات منطقتنا.
ومن الأهمية بمكان أن تدرك عواصم القرار العالمي، وواشنطن على وجه التحديد حيث تتهيأ الإدارة الجديدة لتقديم تصوراتها لقضايا المنطقة، أن أولوية العرب الأولى هي رفع الظلم عن الشعب الفلسطيني، ومنحه حقوقه الكاملة في التحرر والاستقلال.
لكن هذا، على أهميته، ليس سوى نقطة البداية، وواجب العرب جميعا البناء عليها لمواصلة عملية إعادة بناء الموقف، لعل وعسى أن يعود للعرب كلمتهم المسموعة في العالم.