الرئيسية مقالات واراء
حتى ساعات ما بعد ظهر أمس والقادة العرب يتناوبون على إلقاء خطاباتهم في اجتماع القمة، على ما درجت العادة في كل القمم العربية.
للمرة الثامنة والعشرين، تظهر عيوب التقاليد والأنظمة التي تحكم عمل مؤسسة الجامعة العربية؛ فعوضا عن استغلال اليوم الوحيد في السنة الذي يجتمع فيه القادة العرب لإجراء مناقشات منتجة وعملية ومغلقة أيضا، تصر الجامعة على جعل اجتماع القمة مهرجانا خطابيا.
افتتح رئيس القمة الملك عبدالله الثاني الاجتماع بكلمة مقتضبة، كانت أقرب ما تكون لجدول أعمال يمنح القادة فرصة الحوار المثمر حول القضايا الرئيسية المطروحة، لكن القادة آثروا الطريقة التقليدية في المشاركة والحضور.
بالمجمل كانت أجواء القمة أقل توترا من سابقاتها، بالرغم من بعض الخطابات التي حملت رسائل مشفرة ومتبادلة بين القادة الحاضرين، على الأخص كلمات أمير قطر والرئيس المصري ورئيس المجلس الانتقالي في ليبيا. ولولا حادثة تعثر الرئيس اللبناني قبيل التقاط الصورة التذكارية للقادة، لما كان هناك من لقطات تشغل اهتمام مواقع التواصل الاجتماعي، وتلفت انتباه الكثيرين لما يدور في البحر الميت.
وبقدر ما أثار الحضور النوعي في القمة تقدير مختلف الأوساط، كان غياب ملك المغرب في اللحظة الأخيرة موضوعا للتساؤل والحديث.
اللقاءات الجانبية بين الزعماء كانت مثار اهتمام وسائل الإعلام، خصوصا لقاء ملك السعودية مع الرئيس المصري، والذي وصفه البعض بلقاء المصالحة.
في وقت مبكر كانت الدبلوماسية الأردنية الهادئة قد نجحت في احتواء الحساسيات المتوقعة بين الدول، وعملت حتى ساعة متأخرة في الليلة التي سبقت القمة، على تذليل الخلافات حول الصياغات المقترحة لبعض القرارات، وهو ما ساهم في عبور النهار الطويل بلا مفاجآت مباغتة.
كان كل شيء معدا بدقة متناهية لتجنب الخلافات العلنية أو الملاسنات الحادة التي طالما حدثت بين القادة العرب في القمم السابقة.
اللقطة المتكررة لمقعد سورية الفارغ، ليست هي فقط ما يؤشر على عمق المأزق العربي، كلمات زعماء عديد الدول كانت مناسبة حية لاستعراض المشهد المأساوي للأمة المثخنة بالجراح. بعض القادة كانوا في حديثهم عن بلادهم كما لو أنهم خرجوا للتو من مشرحة مليئة بالجثث. والبعض الأخر حاول جاهدا إقناع الحضور أنه ترك خلف ظهره بلدا آمنا ومستقرا، لا قتل ولا فوضى تعم أركانه.
كل زعيم حمل هموم بلده معه ووضعها على طاولة القمة، أملا بالدعم والمساندة لتجاوز حالة الخراب. فلسطين لم تغب عن خطابات الزعماء جميعا، فهى القضية الوحيدة التي ما تزال توحدنا، رغم ما حل بنا من مصائب بعدها.
الخطاب حول سورية لم يعد بالحدة والانقسام الذي كان عليه في السابق. هناك ميل أكثر للتعامل مع الأزمة بواقعية، والسبب ربما هو فشل الفريقين المنقسمين حولها في الحسم بعد مرور ست سنوات على الأزمة.
وإن كان لنا أن نراهن على المستقبل القريب، فإنه من غير المستبعد أن لا نرى مقعد سورية فارغا في القمة المقبلة.