الرئيسية مقالات واراء
هل تفاجأ أحد بالموقف الأميركي المعلن أخيراً من قبل إدارة الرئيس دونالد ترامب عن ترك مصير الأسد، والتركيز على قتال داعش في سورية، بوصفه الأولوية الأميركية؟!
فقط الفرق بين إدارتي الرئيس أوباما وترامب أنّ الأول طبّق ذلك عملياً، بالرغم من أنّ وزير خارجيته حينها جون كيري، لم يخف الموقف الحقيقي، منذ شهر آذار في العام 2015، وفيما تسرب بعد ذلك من اجتماعه مع بعض الناشطين السوريين (على هامش اجتماع لندن لمساعدة اللاجئين السوريين في شباط 2016)، عندما حذّر المعارضة، في حال لم توافق على إطلاق النار، بثلاثة أشهر من الجحيم (وكان يشير إلى التدخل الروسي).
حتى التغيّر في الموقف الفرنسي (الذي تزاوج مع الأميركيين مؤخراً) ليس جديداً بالكلية، وقبل ذلك المواقف الأوروبية عموماً، كل شيء كان واضحاً منذ فترة مبكّرة من الصراع الروسي، عندما بدأ الغرب يطرح هاجس سؤال اليوم التالي لسقوط نظام الأسد، ما يستبطن إشارة واضحة إلى أنّ إسقاطه ليس ضمن جدول الأعمال الحقيقي للمجتمع الدولي، بل كان المطلوب ترك الصراع ليستنزف الدولة والمجتمع في سورية، بما يضعفهما معاً، وهي المصلحة الغربية الضمنية، مما كان يحدث.
أردوغان نفسه أكبر الداعمين للمعارضة السورية، غيّر وبدّل وانقلب على نفسه في سورية، وقرّر بعد محاولة الانقلاب الفاشلة ضده، وإدراكه لحقيقة الأجندات الدولية في سورية، أن يفكّر فقط في المصالح التركية، ويؤمّنها، مع الروس أنفسهم، وكان حصيلة ذلك عودة حلب (عاصمة الثورة) إلى حضن النظام السوري في نهاية العام الماضي!
المفارقة في موقف ترامب الجديد هي حجم التناقض، بعكس الرئيس أوباما، بخاصة عندما نُدخل العامل الإيراني في التحليل، فالأخير – أي أوباما- كان منسجماً مع نفسه، وعقد الصفقة مع إيران فيما يخص السلاح النووي، وأقرّ عملياً بنفوذها في العراق، وتغاضى عنهم في سورية. أمّا ترامب وإدارته فيغرقون الجميع بتصريحات عدائية ضد إيران، لكنّهم في الوقت نفسه يعتمدون الأجندة نفسها، التي تعزز من قوتها ونفوذها في سورية والعراق بصورة كبيرة!
لا توجد أيّ قيمة حالياً لكلام ترامب ضد إيران، ربما يكون مدلولها لاحقاً كرسالة تأييد لإسرائيل، موجّهة للروس والإيرانيين، بضرورة مراعاة الأمن الإسرائيلي، فيما يحدث في سورية، وهو أمر يحرص عليه الروس أيضاً.
على النقيض من خطاب ترامب، فإنّ المستفيد الرئيس من هذا التحول هي إيران نفسها، التي تعمّق وتجذّر نفوذها في كل من العراق وسورية، وتوظّف الورقة الطائفية لخدمة مصالحها القومية، إذ تكشف عودة التفاوض الإيراني مع أحرار الشام في سورية مؤخراً (حول التبادل السكّاني بين قريتي كفريا والفوعة في ريف إدلب مع الزبداني في ريف دمشق) عن إصرار إيران في المضي قدماً في مشروع "الهندسة السكانية الطائفية" وإنضاج فكرة "سورية المفيدة"، وخلق فضاء استراتيجي يصل طهران عبر العراق وسورية إلى البحر المتوسط.
تبقى التساؤلات التي طرحها السياسي الأميركي المعروف دنيس روس، في مقالته الأخيرة عن سياسة ترامب في سورية (على موقع معهد واشنطن للشرق الأدنى) عمّا إذا كانت الإدارة الأميركية تدرك بأنّ الطرف الآخر لداعش هي إيران والحرس الثوري والقوى الموالية لهم؟ بمثابة أسئلة بديهية، ليس فقط في سورية، بل لمستقبل العراق، مع عدم وجود أي تصوّر أميركي واضح لسؤال اليوم التالي لنهاية دولة داعش في العراق، ولمستقبل السنة، بخاصة – كما يذكّر روس- أنّ صعود داعش نفسها مقترن بالنفوذ الإيراني!