الرئيسية مقالات واراء
أحداث اليوم - خلقت مقابلة الملك عبدالله الثاني مع صحيفة "الواشنطن بوست" الانطباع لدى بعض المحللين والمراقبين بأن الأردن في طور تغيير موقفه تجاه الأزمة السورية، ومراجعة أولوياته التي تبناها من قبل. وعزز هذا الانطباع الموقف الرسمي الأردني من الغارة الأميركية على المطار العسكري السوري.
أعتقد أن هذا الانطباع ناجم بالدرجة الأولى عن الأسئلة التي طرحتها مراسلة الصحيفة، وليس من أجوبة جلالة الملك. فقد ركزت الأسئلة بشكل واضح على الموقف من الأسد وإيران ودور روسيا في الأزمة السورية. وبدا أن الصحفية التي أجرت المقابلة كانت تهدف إلى إظهار التباين في الأولويات الأردنية والأميركية حيال قضايا المنطقة، بدافع العداء الواضح في موقفها من إيران وروسيا.
لقد توجه الملك إلى واشنطن للقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وعلى رأس أولوياته تحفيز جهود استئناف مفاوضات السلام الفلسطينية الإسرائيلية، ودفع عجلة الحل وفق مبادرة السلام العربية ومبدأ حل الدولتين.
أما بشأن الأزمة السورية، فلأيام قليلة سابقة كان الموقفان الأردني والأميركي متوافقين على أولوية محاربة الجماعات الإرهابية، ومن ثم السير في حل الأزمة بالطرق الدبلوماسية والسياسية وفق شروط ومرجعيات بيان جنيف.
ما حدث في خان شيخون من جرائم مروعة، وما تلاها من رد فعل أميركي خلقا حالة من التشويش، وطرحا، على نحو غير متوقع، موضوع الأسد على طاولة القرار في البيت الأبيض.
لكن، وبالرغم من أهمية ماحدث، إلا أن الغارة الأميركية الأخيرة على مطار الشعيرات، لا تعدو أن تكون جملة عابرة في السياسة الأميركية، لن تغير كثيرا في قواعد اللعبة واستراتيجيات واشنطن المقبلة في المشهد السوري.
هنا، علينا أن ندقق في أجوبة الملك وليس أسئلة الصحفية. ليس ثمة تغيير يذكر في المقاربة الأردنية تجاه إيران، فمع كل سؤال كانت تطرحه الصحفية كان الملك يعود إلى موضوع فلسطين باعتباره مربط الفرس والمحرك لمواقف وسلوك القوى الإقليمية ومن بينها إيران.
وبوضوح شديد، حدد جلالته الهدف الرئيس من زيارته لواشنطن بالقول: "زيارتي الحالية للولايات المتحدة تهدف إلى تحقيق تقدم في هذا الشأن (عملية السلام)، والإدارة الأميركية توافقني على ذلك".
وفي كل أجوبته عن سورية حافظ الملك على نفس السردية الأردنية التي ترى في المجموعات الإرهابية خطرا يجتمع على محاربته، أو "هكذا يطمح"، كل القوى الفاعلة في الميدان السوري، خصوصا روسيا، التي قدم جلالته تحليلا واقعيا لما يمكن وصفه بالسياسة البراغماتية للرئيس بوتين في سورية، والتحليل الملكي هو خلاصة مناقشات معمقة في الغرف المغلقة مع أركان القيادة الروسية وفي مقدمتهم الرئيس بوتين.
وهي على كل حال ليست أسرارا يحرج الملك بوتين بكشفها، إذ أن الجميع يدرك تباين التوجهات الروسية والإيرانية حيال سورية ومستقبلها ودورها، وحتى الموقف من مستقبل الرئيس السوري بشار الأسد مع نهاية المرحلة الانتقالية المفترضة لمباحثات جنيف السورية.
عندما سألت الصحفية الملك "هل من الصحيح أن قادة عربا فرحون لاعتقادهم بأن الرئيس ترامب سيكون أكثر حزما مع إيران من الرئيس السابق؟"، جاء جواب الملك مقتضبا بالقدر الذي تستطيع من خلاله أن تفهم موقفه، قال باختصار: "بعض الدول تعتقد ذلك".
لم أشعر أبدا من أجواء المقابلة الملكية أن الموقف الأردني قد تغير من قضايا المنطقة وأزماتها، فالأولويات التي حملها الملك في الزيارة هي ذاتها التي خرج فيها بعد قمة البيت الأبيض. لكن دون شك هنالك تفاصيل كثيرة تخصّ ملفي فلسطين وسورية، ستكون محل نقاش بعد زيارة واشنطن.