الرئيسية مقالات واراء
أثار الموقف الرسمي الأردني من الضربة العسكرية الأميركية لقاعدة عسكرية لنظام الأسد في سورية قبل أيام، نقاشاً عاصفاً في أوساط النخب السياسية والدبلوماسيين، فيما إذا كان هنالك تغيير في المقاربة تجاه سورية؟ وإلى أي مدى؟ أم لا؟ هل يرتبط الموقف الأردني بالضربة العسكرية فقط؟ أم أنّه مقدّمة لتحولات أخرى؟
في البداية غرّد وزير الخارجية أيمن الصفدي بوصف الضربة "رداً محدوداً ومناسباً"، داعياً إلى أن تكون محفّزاً للحل السياسي، وهو الموقف الذي تكرر على لسان وزير الإعلام، الناطق باسم الحكومة، د.محمد المومني، بصورة أكثر وضوحاً، ما فُهم منه تأييداً أردنياً للضربة الأميركية، بالرغم من محاولة المسؤولين اختيار وانتقاء العبارات بصورة دقيقة وحذرة، لكنّ الدلالة؛ سياسياً وإعلامياً، كانت بصبغ الموقف الأردني بالتأييد.
بالرغم من أنّ الضربة الأميركية محدودة فعلاً، ولن تغيّر السياق الحالي لموازين القوى، إلاّ أنّها في الوقت نفسه تحمل دلالات مهمة ورسالة مقصودة، فإذا تجاوزنا الأبعاد الأميركية الداخلية لها، فإنّ دونالد ترامب يريد أن يقول للروس والإيرانيين ونظام الأسد، بأنّ قواعد اللعبة تغيّرت في سورية، وأنّ هنالك تحولاً في الموقف الأميركي يتمثل في بعدين رئيسين؛ الأول أنّه لن يترك سورية (كما كان يفعل سلفة باراك أوباما) للروس والإيرانيين، بل سيعمل على الدخول بقوة والتفاوض مع الأطراف الأخرى، ووضع متاريس لدور أميركي جديد، والثاني أنّه إعادة تعريف الأهداف الأميركية لتصبح مزدوجة؛ هزيمة داعش، وفي الوقت نفسه تحجيم إيران، وقطع الطريق على بناء مجال استراتيجي لها يمتد إلى البحر المتوسط.
ما يزال موقف الإدارة الأميركية غامضاً من مصير الأسد، فبعد تصريحات متعددة من أركان الإدارة الأميركية دفعت إلى القناعة بأنّ "شرط تغييره" تم التخلي عنه، عادت الأوراق لتختلط بعد مجرزة خان شيخون المروعة. لكن، وبالرغم من رد فعل روسيا المستاء من الضربة الأميركية، إلاّ أنّ الأميركيين سيكونون حريصين، على التوافق والتفاهم مع الروس، ومحاولة إبعادهم عن التحالف الراهن مع طهران والنظام السوري، وهي عملية أكثر تعقيداً من العمليات العسكرية الأخرى.
لا يمكن فصل الموقف الأردني وعزله عن المجتمع الدولي، وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية، التي تمثل حليفاً استراتيجياً كبيراً للأردن، ومن الواضح من خطاب الرئيس ترامب تجاه الأردن والملك أنّ هذا التحالف سيتعزز، وسيأخذ أبعاداً إقليمية، بخاصة في الحرب على الإرهاب وهزيمة داعش، وتطوير للعمليات العسكرية بصورة أكبر مما سبق، بخاصة إذا تحدثنا عن مناطق بادية الشام، التي يتوقع أن تنحاز إليها أغلبية العناصر الهاربة من التنظيم من الموصل والرقة، ما يعني أنّ التنظيم سيصبح أكثر تماساً واحتكاكاً مع الحدود الأردنية.
على الطرف الآخر، فإنّ الأردن حريص على استمرار التفاهمات مع الروس، بخاصة ما يرتبط بوقف إطلاق النار في المنطقة الجنوبية. وبالرغم من أنّ الأردن والروس بديا قريبين خلال الفترة الماضية، مع تخلي أوباما عن أي دور في سورية، فإنّ المسؤولين في عمان سيكونون حريصين على الموازنة بين التحولات الجديدة في المعادلة السورية وفي الحفاظ على علاقة جيدة وعميقة مع الروس، ومثل هذه المعادلة الدقيقة ترتبط أيضاً بتطوّر العلاقات بين روسيا وأميركا في سورية.
في الأثناء، فإنّ فكرة المناطق الآمنة، التي لقيت قبولاً روسياً مبدئياً، ستتجمد في المرحلة القادمة، نتيجة التوتر بعد الضربة الأميركية، وهي الفكرة التي يعارضها الإيرانيون والنظام السوري، وحاولوا التشويش على صورة الأردن وقدراته عبر المواجهات الأخيرة في درعا في حيّ المنشية، وهو عامل يضاف إلى التغير الأميركي، في قراءة الخطاب الأردني تجاه إيران خلال الفترة الأخيرة.