الرئيسية مقالات واراء
اقتلعت الثورات الشعبية حكاما مستبدين، لكن مساراتها التي تعثرت في أغلب البلدان العربية خلفت وضعا كارثيا، يتمثل بالإرهاب وجماعاته وفكره الذي تنامى في أوساط المجتمعات اليائسة والمحبطة، واجتذب عشرات الآلاف من المجندين، ومئات الآلاف من المؤيدين والداعمين والمتعاطفين في كل قطر عربي.
الإرهاب بات اليوم الخطر المحدق بتطلعات الشعوب نحو الحرية والأمن والاستقرار. كان المستبدون أعداء لحرية شعوبهم، فيما الإرهاب أصبح خطرا يهدد وجود الشعوب من أساسه.
جماعات متوحشة لا تعطي الحياة لغير أتباعها، وتحكم بالموت على مخالفيها في الرأي والعقيدة والطائفة وحتى الهيئة والمظهر والعادات.
وبات واضحا أن التقدم على طريق التغيير والإصلاح مستحيل قبل القضاء التام على تلك الجماعات، ودحر فكرها وسردياتها الملعونة.
الشعوب العربية في أكثر من بلد عربي نزلت إلى الشوارع والميادين تطالب بالحرية والديمقراطية، وهذا حقها الطبيعي دون شك. اليوم صار لزاما عليها أن تعود للميادين لتدافع عن حقها في الحياة، وتدحر الإرهاب.
ليست معركة الأجهزة الأمنية والحكومية،ولا رجال الفكر والدين والسياسية فحسب،إنها معركة الناس العاديين البسطاء، لأن هؤلاء هم ضحايا الإرهاب في سورية والعراق وليبيا ومصر واليمن وعديد الدول.
لأن الناس البسطاء في الموصل والرقة هم من دفعوا من حياتهم وكرامتهم ثمن العيش تحت حكم الإرهابيين. المئات أعدموا بدم بارد لمجرد أن من بينهم من أشعل سيجارة أو حمل هاتفا، أو تأفف من حكم وافد أوزبكي صار يتحكم بحياة أهل الموصل.
نساء سقن كالعبيد إلى سوق النخاسة، طفلات اغتصبن على يد متوحشين قدموا من أصقاع الدنيا، أبرياء خنقتهم الغازات السامة والمحرمة دوليا.
بشر متحضرون في شوارع ستوكهولم ولندن وباريس وبرلين سحقتهم عجلات الإرهاب الأعمى دون رحمة وبغير ذنب.
مدن الفقراء لم تسلم من أفعالهم الشنيعة، المساجد والكنائس طالها الموت. بالأمس فقط ارتكب الإرهابيون عملا جبانا في مصر راح ضحيته أبرياء لا علاقة لهم من قريب أو بعيد بالسياسة ونظام الحكم. حصل مثل ذلك في مساجد السعودية والكويت والبحرين والعراق. وفي الجزائر وتونس وسواها من بلدان عربية وأفريقية.
هنا في الأردن؛ طالت يد الإرهاب جنودا بواسل، واحبطت مخططات شيطانية لاستهداف المواطنين في الأماكن العامة.
الاستبداد في عالمنا العربي على بما ارتكب من جرائم وما انتهك من حقوق لم يبلغ أبدا هذه القسوة والوحشية، ولم نشعر أبدا أن الموت أصبح قريبا من كل مواطن عربي كما هو في عهد الإرهابيين حاليا.
لقد نجح الإرهابيون بجعلنا أمة مشبوهة في نظر العالم كله. نعامل كالمتهمين في المطارات، وتنبذنا المجتمعات الأخرى، وتضيق حياة الجاليات المستقرة منذ عقود في بلدانهم.
لم يعد أمام الشعوب العربية من خيار سوى أن تثور على الإرهاب كما ثارت في وجه الاستبداد. ثورة لاجتثاث أفكاره ودحر جماعاته والانتصار لقيم الحياة على الموت، وإلا فإن بانتظارنا عصرا من الظلمات الطويلة.