الرئيسية مقالات واراء
بينما كان الأمل يحدو دول المنطقة بتفاهم روسي أميركي على تسوية نهائية للأزمة السورية، عادت الأمور في الأسبوع الأخير إلى نقطة الصفر تماما، بل إلى الحد الذي يدفع بوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف للقول إن العلاقات مع واشنطن عادت إلى حقبة الحرب الباردة.
كان مبعث التفاؤل مواقف الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب الإيجابية تجاه روسيا، وما أبداه من استعداد لتعاون معها لدحر الإرهاب في سورية، دون التوقف عند عقبة تغيير نظام بشار الأسد كشرط مسبق.
لكن الإدارة الأميركية التي ما تزال تفتقر لتصور شامل للحل في سورية، وجدت نفسها بعد حادثة خان شيخون المروّعة، والرد الأميركي عليها بقصف قاعدة الشعيرات الجوية، في مواجهة مفتوحة مع موسكو، وضغط حلفاء وأصدقاء لاتخاذ مواقف أكثر صرامة تجاه النظام السوري على خلاف ما أعلنت من قبل.
وفي ليلة وضحاها، تصاعدت لهجة الاتهامات بين واشنطن وموسكو، حتى بلغت حد تهديد القيادة الروسية بالتصدي لأي عمل عسكري مقبل من جانب أميركا ضد النظام السوري، على ما ينطوي عليه ذلك من مخاطر كبرى على المنطقة والعالم.
ولا يبدو أن زيارة وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون لموسكو اليوم ستساعد في تخفيف حدة التوتر بين البلدين، إذ استبق الروس الزيارة بتصريحات نارية تخفض لحد كبير من سقف التوقعات لنتائج المباحثات مع تيلرسون.
وإذا ما استمر التصعيد بين القطبين الروسي والأميركي دون تسويات في الأيام المقبلة، فذلك يعني أن جولة المباحثات المقبلة بين طرفي النزاع السوري في جنيف مرشحة للتأجيل إلى إشعار آخر، وأن وقف إطلاق النار الهش في عموم سورية معرض للانهيار التام.
بقدر ما نتفق أو نختلف مع الموقف الروسي في سورية، فإنه يبقى أكثر وضوحا من الموقف الأميركي المشوش حتى لأقرب حلفاء واشنطن، بخاصة الأوروبيين.
واشنطن حتى وقت قريب جدا كانت تضع الحرب على الإرهاب أولوية أولى لها في سورية، وهي بالفعل تعد العدة لعمليات عسكرية واسعة مع حلفائها لتحرير الرقة من قبضة التنظيم الإرهابي، إلا أنها وبعد الغارة الجوية على"الشعيرات"، وما تلاها من استعراض للقوة في التصريحات والبيانات، اندفعت في مسار غير محسوب أو محسوم يخص مستقبل سورية السياسي بعد "داعش".
وبعد تصريحات وأقوال متناقضة بشأن الموقف من الحل في سورية، انخرطت في نقاشات اتسمت بالمزاودة الكلامية بشأن مصير الرئيس السوري، دون أن تملك خطة واضحة ومفصلة لمرحلة ما بعد الأسد، ودون انتظار لما ستسفر عنه مباحثات جنيف التي وضعت أساسا متفقا عليه من جميع الأطراف للبدء في عملية انتقال سياسي منظمة، تفضي في نهاية المطاف لتغييرات جوهرية في نظام سورية السياسي بما في ذلك منصب الرئيس.
الحاصل حاليا أن التوتر بين موسكو وواشنطن بلا قيمة من الناحية السياسية، كل ما هنالك أن الأوضاع ستسوء على الأرض، وتفقد عملية جنيف زخمها، وتستمر الأزمة أمدا أطول، فيغدو الحل السياسي أكثر تعقيدا وصعوبة. وسيكتشف الطرفان؛ الروسي والأميركي، ولو بعد حين، أن لا جدوى من استمرار التصعيد ولا بد من العودة لطاولة المفاوضات.