الرئيسية مقالات واراء
ثمة فرق بين أن تكون هناك أحداث وتطورات تهم عامة المواطنين وتتأخر السلطات المعنية في التعليق عليها وتوضيح حقيقتها، وإشباع رغبة الرأي العام في معرفة تفاصيلها، وبين إشاعات وأخبار تجري فبركتها بشكل متعمد، ثم نسأل باستنكار وغضب: أين الحقيقة يا حكومة؟
ليس في بلادنا فحسب، إنما في كل دول العالم هناك صناعة إعلامية تتطور وهي صناعة الأخبار الكاذبة، وميدانها الواسع مواقع التواصل الاجتماعي، ومنصات إلكترونية غالبا ما تكون مجهولة الهوية.
يظهر الخبر المفبرك على موقع مغمور أو حساب مجهول، ثم سرعان ما ينتقل بسرعة إلى آلاف الصفحات الإلكترونية والمواقع على الشبكات الإلكترونية. لا تستطيع أن تحصر المصدر الأول للخبر بسهولة، ولا تتبع انتشاره، فينتقل على الفور إلى الأرشيف الإلكتروني ليستقر هناك، ويظهر بين الأخبار حال فتح محركات البحث على الإنترنت، مكتسبا شرعية المصدر والمرجع عند الباحثين والصحفيين.
الإشاعات والأخبار الكاذبة لم تعد كلاما يذهب مع الريح، أو يشطب من الأرشيف الورقي، أصبح مستقرا رغما عنك في سيرتك الذاتية وملف حياتك الإلكتروني.
السلطات والأفراد، على حد سواء، دائما ما يجدون أنفسهم في موقف صعب، عندما تنتشر أخبار مفبركة بحقهم، فيضطرون لنفيها. وهذا هو المطلوب في واقع الأمر من طرف مطلقي الإشاعات؛ الجهة المعنية تنفي القصة لتكتسب الشرعية اللازمة للانتشار والاستقرار على محركات البحث وأرشيف منصات الانترنت.
الظاهرة بمجملها مرتبطة بعالم "السوشيال ميديا" والتكنولوجيا الرقمية التي اتاحت للمواطن العادي أن يصبح مصدرا للأخبار. في بادئ الأمر استقبلت وسائل الاعلام العريقة والتقليدية الفكرة بالترحاب، لكنها سرعان ما تنبهت لمخاطرها، بعدما تورطت صحف ومحطات تلفزة بنشر أخبار كان مصدرها المواطن الصحفي وتبين أنها زائفة وملفقة. فاستحدث لهذه الغاية تطبيقات إلكترونية للتحقق من صحة الأخبار المتداولة على الشبكة العنكبوتية، وطورت مواقع عالمية مثل "الفيسبوك" خدمة التأشير على الأخبار غير الموثقة وتنبيه المتصفحين لعدم دقتها، وفي أحيان أخرى شطبها من التداول.
لكن بالرغم من هذه الإجراءات، ما يزال رواج الأخبار الكاذبة كبيرا، إذ تقدر مصادر مستقلة نسبتها بأربعين بالمئة من مجمل الأخبار المتداولة على منصات الإنترنت العالمية.
في الأردن، ورغم سن الحكومة قوانين لمحاربة ظاهرة الأخبار الكاذبة، إلا أن قطاعا عريضا من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي لم يدركوا بعد التبعات القانونية لنشر أو إعادة نشر هذا النوع من الأخبار. وفي حالات كثيرة ينجرّ الأشخاص خلف مواقف سياسية أو شخصية للمشاركة في حملات تشهير بحق شخصيات عامة أو حتى غير معروفة، ولا يعلمون بحجم مخالفتهم للقانون إلا عندما يتم استدعاؤهم للمثول أمام القضاء.
إن الدوافع الشخصية لمطلقي الإشاعات عادة ما تتغلب على المعايير المهنية والأخلاقية التي تحكم نشر الأخبار في وسائل الإعلام، ويكون تشويه السمعة واغتيال الشخصية هو الهدف الأساسي بغض النظر عن الضرر الذي سيلحقه هذا السلوك بحياة الأشخاص وعائلاتهم وصورتهم أمام المجتمع.
مع اتساع نطاق الظاهرة واستحالة السيطرة عليها؛ فكل شخص يمكنه أن يصنع لنفسه منبرا إعلاميا بالصوت والصورة، ليس ثمة حاجة للتدخل ونفي القصص المفبركة دائما، إنما تركها لتذوي على شبكات التواصل ولا تجد من يغذيها لتدوم زمنا أطول.