الرئيسية مقالات واراء
في معرض انتقاد عديد ناشطين وسياسيين لقرار الحكومة بتوقيف من قاموا بحرق صور قيادات عراقية وإيرانية دينية وسياسية، يحاجج ناشطون بأنّ ذلك من قبيل حرية التعبير والرأي، ويذكّرون بتأييد مئات الناشطين الآخرين لبشار الأسد، ورفع صوره أمام السفارة السورية في عمان، وذهاب وفود إلى إيران وسورية للوقوف إلى جانب إيران والنظام السوري، ويرون في موقف الحكومة تعديّاً على الحقوق الدستورية.
قد تكون تلك الذريعة معتبرة من الناحية النظرية أو الحقوقية الأساسية (هي ليست كذلك في التشريعات القانونية الأردنية، التي تعجّ بما يمنع الإساءة والتعدي على حكومات ودول تعتبر صديقة)، لكن من ناحية واقعية وعملية، فإنّ مثل هذا العمل مكلف على الأردن والأردنيين، بلا أي جدوى، ولا يُفهم في سياق حرية التعبير، بقدر ما إنّه سيفسّر بوصفه عملاً تحريضياً حكومياًـ وهو ما تمّ فعلاً من قبل الحكومة العراقية.
لا يمكن أن نبرر القيود والحدود على حرية التعبير، لأنّ مثل هذا التبرير يعطي غطاءً للحكومة لتفسير أي سلوك تحت هذا البند، لكن من باب التفكير بصوت مرتفع والحوار بيننا كأردنيين، بعيداً عن منطق الحكومة، فمن المهم أن نقدّر طبيعة الحساسيات الدينية والسياسية والمذهبية من زاوية، والمصالح الوطنية العليا من ناحية أخرى، فلا نذهب إلى ما يضرّها ويؤذيها بلا أي فائدة وبلا معنى!
مثل التصرف الذي لاحظناه في المفرق أدى إلى ردود فعل أكثر سوءاً منه، وعزز من حجج التيار المؤيد لإيران في العراق ضد الأردن والانفتاح عليها، غداة تصعيد متبادل في نبرة الخطاب الديبلوماسي المتضاد بين الدولتين، أي أنّ نتيجة هذا العمل الصغير المحدود، الذي لم يشارك فيه إلاّ قلة قليلة، ومن دون أي دور حكومي، هو النفخ في مشاعر الكراهية الطائفية، وتوظيفه بما يخدم أعداء الأردن، والإضرار بالمصالح الوطنية!
في وضع طبيعي حرية التعبير والرأي مقدّسة، وهي كذلك ومن الضروري أن تبقى، لكن في الوقت نفسه من المهم للحكومة أن توضّح أكثر سياساتها ومواقفها وتوجّهاتها، فربما من قام بمثل هذا العمل ظنّ أنّه متوافق مع سياسات الدولة وذلك غير صحيح، بل هو عمل مضرّ جداً بها، وإذا كان يدرك أنه عمل مضرّ بالمصالح الوطنية وسياسات الدولة، فيمكن تفسيره بعد ذلك من باب حرية الرأي، لكن على أن يكون موقف الحكومة والدولة ضده ولو على صعيد الخطاب السياسي واضحاً تماماً وجلياً، وغير ملتبس، وثانياً على أن يفكّر فيه من الزاوية الأخرى الأخطر والأسوأ، أي في مواجهة خطاب الكراهية ومحاصرته شعبياً واجتماعياً.
صحيح أن هنالك اختلافاً داخلياً حول الموقف من بشار الأسد، وما يحدث في سورية ومصر، وهنالك مظاهرات متبادلة شهدتها عمان بين هؤلاء وأولئك، وحالياً حول أردوغان، وهذا مشروع من ناحية حرية التعبير والاختلاف في الرأي، لكنّه إذا تحول إلى ما يؤذي المشاعر الدينية أو الطائفية أو خطاب كراهية وتلبس الديني بالسياسي، فمن المفترض أن نقف كـ"مجتمع مدني" وقوى سياسية ومثقفين ضده.
هنا، تحديداً، من المهم التأكيد على قيمة مهمة من قيم الدولة والمجتمع، ليس من باب الفرض الإلزامي بالضرورة، بل الأدبي والإعلامي والأخلاقي، بأنّنا دولة تؤمن بالاعتدال والانفتاح وترفض الخطاب الإقصائي والهوياتي العصابي، وتعزيز مثل هذا الموقف سيساعد كثيراً على ترشيد الخطاب والسلوك الداخلي أو على الأقل عدم الخلط بين موقف الدولة ومجموعة من الأشخاص من قبل الآخرين.
هي مجرّد أفكار على هامش النقاشات التي نتابعها على مواقع التواصل الاجتماعي بين مشروعية الاختلاف أو التيه في إدراك شروطه وقيمه وأخلاقياته!