الرئيسية مقالات واراء
أحداث اليوم - الانقسام في أوساط الأردنيين حول الاستفتاء في تركيا، والموقف من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ليس جديدا ولا طارئا، فقد كانت تجربة "العدالة والتنمية" محل جدل طويل في الشارع الأردني لسببين رئيسيين: العلاقة التاريخية بين العرب وتركيا وطبيعة المشروع الأردوغاني، وانتمائه لمدرسة الإسلام السياسي بطبعتها المعاصرة.
والمثال التركي ليس استثناء بالطبع، فالانقسام هى السمة الغالبة على مواقف الأردنيين من القضايا والأزمات المحيطة بهم؛ الأزمة السورية خير دليل، ومن قبلها التطورات في العراق، وصولا إلى مصر قبل وبعد الثورة.
الانقسامات في العموم تجذرت بشكل كبير في سنوات الربيع العربي وما تلاها من تداعيات، ضربت ما استقر من قناعات ومفاهيم حول مبادئ أساسية كالديمقراطية والمشاركة والإصلاح.
من بين الأسباب التي فاقمت الانقسام حيال تجربة تركيا الأخيرة، موقف القيادة التركية من الأحداث التي شهدتها الدول العربية، خصوصا سورية ومصر. قبل هذه التحولات كانت شعبية أردوغان في أوساط الأردنيين من مختلف الاتجاهات مرتفعة، فثمة تقدير عال للنجاحات الاقتصادية التي حققتها تركيا في عهد حزب العدالة والتنمية.
لكن ما حصل من اصطفافات وانقسامات تجاه الأزمة السورية، انعكس بشكل أوتوماتيكي على الموقف من تركيا بسبب تدخلها المباشر في سورية، ودعمها لجماعات إسلامية ضد نظام الحكم.
بالتزامن مع ذلك شهدت التجربة التركية نفسها تحولات زرعت الشك بقلوب فريق من المؤيدين لأردوغان. نغمة السلطانية في الخطاب السياسي، وإقصاء قيادات بارزة في الحزب الحاكم، وتشديد القبضة الأمنية على وسائل الإعلام، بعد صراع مرير مع جماعة فتح الله غولن، حليف أردوغان لسنوات.
محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في تركيا كانت هي الأخرى محطة لاستعراض الانقسام في الشارع الأردني والعربي عموما.
بالرغم من ذلك احتفظ أردوغان وحزبه بتأييد جمهور الإخوان المسلمين في الأردن، باستثناءات محدودة جدا. حركات الإسلام السياسي في العالم العربي، وبالرغم من أن لديها ملاحظات كثيرة على سلوك أردوغان ومواقفه خصوصا تجاه سورية، إلا أنها مستعدة للتغاضي عنها، لأنه لم يعد لديها من حلفاء غير تركيا في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها، خصوصا بعد خسارتها للحكم في مصر، وافتقاد مشروعها السياسي للبريق الذي ظهر عليه مع بدايات الربيع العربي.
أردوغان هو الآخر خسر حلفاء بالجملة؛ في المنطقة والعالم، ولم يبقَ له سوى الإخوان المسلمين في المنطقة وروسيا في العالم، وتلك هى المفارقة.
فوز أردوغان وحزبه في الاستفتاء ولو بشق الأنفس، منحه مكانة إضافية عند مناصريه، فحتى بالنسبة للكارهين لنموذجه المتسلط، لا يمكن إنكار أن ما حققه أردوغان كان بوسائل ديمقراطية تفتقدها عديد الدول العربية.
ومن المرجح أن أنصاره في الأردن والعالم العربي، سيجدون في هذا النجاح فرصة لاستعادة زمام المبادرة، وإحياء مشروعهم السياسي، على أمل العودة إلى مسرح الأحداث من جديد.
الجميع بانتظار خطوات أردوغان الأولى بعد التتويج، حتى داخل تركيا المنقسمة على نفسها تماما كما هو الحال في شوارعنا العربية.