الرئيسية مقالات واراء
كتبت أمس الزميلة رنا الصباغ عمّا أسمتها بـ"لعنة البحر الميت"، في الحديث عن حجم النفايات التي يخلّفها الزائرون في نهاية الأسبوع، ما يؤذي الطبيعة والحياة ويخلّف مكرهات صحيّة. وبالطبع المقارنة تقفز فوراً مع الاهتمام الحكومي الكبير في هذه المنطقة السياحية الحيوية خلال القمة العربية الأخيرة. أما الاقتراح الذي تنقله الصباغ فيتمثّل بشواطئ مجهّزة بمرافق وخدمات جيدة، وإرشادات سلوكية للمواطنين، ورقابة على البيئة هناك، بما يحجّم كثيراً من حجم الكارثة الحالي.
مثل هذا الاقتراح وجيه، وهو جزء من ورشات عمل عديدة ضخمة على الصعيد الوطني ما تزال مؤجلة، أو يتم التعامل معها بعقلية القطعة، من المفترض أن تتصدّر أولويات واهتمامات الحكومة والإعلام والبلديات والدولة بأسرها، في قطاعات السياحة والتربية والتعليم والتعليم الجامعي وسوق العمل، ومحاربة الفساد الإداري.
في مجال السياحة ما يحدث في البحر الميت لا يختلف عن مواقع سياحية أخرى على درجة من الأهمية نفسها، فما تزال صناعة السياحة لدينا متخلّفة، وبدائية، بالرغم من الثرثرة الحكومية الدائمة عنها. فلم نرَ حتى الآن ثورة حقيقية في هذا المجال وتفكيرا إبداعيا لنقل هذا القطاع إلى مرحلة "الصناعة الاقتصادية" الحقيقية، سواء على تطوير البنية التحتية أو حتى الخدمات أو تدريب الكفاءات والمساهمة في حل مشكلة البطالة، بالرغم من أنّ السياحة وحدها كفيلة أن تشكّل نقلة نوعية في الاقتصاد الأردني، سواء كانت السياحة الداخلية أو الخارجية.
من الضروري أن يفهم الأردنيون أولاً قيمة السياحة وتطويرها وأهمية هذه الصناعة، وازدهارها، والبدء بنشر الثقافة المرتبطة بها، وأن يتم إدماجها في المدارس والكتب المدرسية، وإعادة النظر في الكليات المرتبطة بالآثار والسياحة، وربما نقلها إلى مواقع سياحية وأثرية من أجل التحول نحو العلوم التطبيقية، فلماذا لا تكون هنالك كليات الآثار والسياحة – مثلاً- موجودة بجوار المواقع الأثرية والسياحية، لتخريج جيل أكثر إدراكاً وفهماً لتخصصه!
على صعيد التربية والتعليم، نسمع حالياً عن مقترحات وأفكار تتعلّق بالثانوية العامة، وأصوات مؤيدة ومعارضة، لكنّنا – أي مواطنين ومراقبين- ما نزال لا نفهم بصورة دقيقة وواضحة معنى ما يطرح، فالحديث الحالي أشبه بألغاز لكثير من الناس.
من الضروري أن يتحدث لنا وزير التربية أو حتى أشخاص مقربون من الوزارة عن الأفكار المتداولة حالياً ويشرحوها للرأي العام، حتى لو لم تكن قرارات ناضجة، فالحوار حول التعليم والمناهج يهمّ كل مواطن أردني، ومن المهم كي يكتسب مشروعية ونضوجا أن يتم إدماج الناس في هذه الأجواء والحوارات المهمة.
من الورشات المؤجلة، ورشة إصلاح سوق العمل، وهي لا تقل أهمية عن إصلاح التعليم والإصلاح السياسي والمالي، فإحدى أكبر مشكلاتنا اليوم تتمثل في معدل البطالة الكبير، التي تمثّل كابوساً لجيل الشباب، وعدم التناسق بين مخرجات التعليم الجامعي وحتى التربية والتعليم وبين متطلبات سوق العمل، وحل معضلة التناقض بين الحجم الهائل للعمالة الوافدة وبين البطالة المحلية!
يضاف ملف الإصلاح الإداري وتطوير القطاع العام ومحاربة الفساد الإداري إلى ماسبق. هذا بعض من كلّ، وبنظرة فاحصة على الملفات السابقة نجد أنّها هي الأولويات الحقيقية للدولة والحكومة والمواطنين على السواء، وهي التي من المفترض أن تحتل مساحة التفكير لدينا، وأن تتحول إلى أهداف مرحلية وأفكار جريئة، وبذور لثورة بيضاء تعيد تأطير عناوين المستقبل القريب والبرامج السياسية والحزبية.
ما نفتقده إلى الآن هذا الإدراك لسلّم ترتيب أولوياتنا، ولأهمية الورشات الداخلية، ولضرورة الإصلاح فيها، لكن قبل هذا وذاك ما نزال لم نعثر بعد على "العبقرية الحكومية"، لشخصيات تمتلك الرؤية والشجاعة لإحداث الثورة المطلوبة، وليس لوزراء بعقلية الموظف الإداري التنفيذي!