الرئيسية مقالات واراء
أحداث اليوم - تطورَ وعي المسؤولين الأردنيين وفهمهم لظاهرة الإرهاب بشكل لافت في الفترة الأخيرة. محاضرة رئيس هيئة الأركان المشتركة الفريق الركن محمود فريحات في موسكو قبل أيام تؤشر على ذلك النضج والعمق في تفكيك الظاهرة وكيفية التعامل معها.
مرد هذا التحول سببان رئيسيان من وجهة نظري؛ الأول المقاربة التي طوّرها الملك عبدالله الثاني في السنوات الأخيرة، ويمكن رصدها بسلسلة من الخطابات الملكية في المحافل الدولية، والمقابلات الصحفية، واللقاءات المتعددة مع الفعاليات الوطنية. ففي هذه الناحية تحديدا أصبح لدينا ما يمكن وصفه بمصفوفة وطنية واضحة، ترجمت إلى خطاب عام للدولة لايحيد عنه أي مسؤول.
السبب الثاني يتمثل بتجربة الأردن على المستويين العسكري والأمني في التعامل مع الظواهر الإرهابية، خصوصا في السنوات الست الأخيرة. سنوات كانت أيدينا خلالها في النار كما يقال، فقد منحتنا التطورات العاصفة من حولنا؛ في العراق وسورية على وجه الخصوص، مقاربة الظاهرة الإرهابية من كل جوانبها، واستخلاص العبر والدروس من التجارب المريرة للدول الشقيقة، وإدراك العلاقة السببية بين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمظالم التاريخية وبين بروز التيارات المتطرفة بكل طبعاتها المعاصرة.
ولذلك كان لافتا بحق أن يقول أرفع مسؤول عسكري أردني إن التصدي للظواهر الإرهابية لا يقتصر فقط على الحلول العسكرية والأمنية، ويسهب في شرح الأسباب التي فجّرت الإرهاب في منطقتنا، ويؤشر على القضايا المتعلقة بالتهميش والإقصاء وأزمة الهوية والمشاكل الاقتصادية كالفقر والبطالة، والظلم الاجتماعي والسياسي كمسببات رئيسية لبروز التنظيمات الإرهابية، ويتبنى المقاربة الثقافية كمدخل لا بد منه للتصدي لفكر الجماعات الإرهابية وباعتباره شرطا أساسيا للانتصار إلى جانب الحلول الأمنية والعسكرية.
لقد بدا حديثه في موسكو، كما لو أنه أكاديمي رفيع المستوى تخصص في علم الاجتماع وفكر الجماعات المتطرفة، وليس قائدا عسكريا أمضى حياته في الميدان.
وهذا هو التطور المهم والضروري في فكر طبقة رجال الدول وأصحاب القرار. لقد عانينا سابقا من المواقف الأحادية والنظرة الضيقة لأصحاب الاختصاص في كل مجال. وفي ميدان الحرب على الإرهاب ومكافحة التطرف، أخذنا وقتا طويلا قبل تطوير مقاربة شاملة، تنظر للظاهرة من كل جوانبها، ولا تكتفي بالحلول الأمنية على أهميتها.
إن الدول التي تغرق حاليا في وحل الإرهاب، كانت في الأساس دولا أمنية، تعتمد على مؤسساتها العسكرية وسلطتها الباطشة في الحكم، لكن ذلك لم يحقق لها الأمن على الإطلاق، لا بل إن استبداد مؤسساتها العسكرية والأمنية مثّل التربة الخصبة لولادة التطرف والجماعات الإرهابية.
كان أمامنا في الأردن فرصة لتأمل الأوضاع المزرية من حولنا، وتجنّب الوقوع فيها، وخبرة المؤسسة الأمنية في التعامل مع الإرهابيين خلال العشرية الأخيرة، بدت فرصة نادرة لإدراك أهمية العوامل الاجتماعية والاقتصادية، وعدم الركون للحلول الأمنية، ولهذا السبب ربما تجد هذه المؤسسة ما تقف حياله في الضدّ من القرارات الاقتصادية التي تفرط في تحميل الفئات الشعبية أعباء إضافية.