الرئيسية مقالات واراء
الأرقام لا تكذب، وتكمن خطورتها في أنها تفضح المستور، وتكشف العيوب والقصور، وهو الأمر الذي فعله التقرير الموسع للزميلة سماح بيبرس حول جيوب الفقر خلال السنوات الـ 15 الماضية.
ما كشفته الأرقام من معلومات، اعتمادا على بيانات رسمية، أكد أن الفقراء مهملون وأن كل الاستراتيجيات والخطط والتصريحات فشلت على مدى عقد ونصف من انتشال 12 قضاء من الفقر.
خلال خمسة عشر عاما، وتحديدا منذ العام 2002، عاصر الأردنيون فيها 14 حكومة، ما تزال معاناة الفقراء تتعمق وفقرهم يزداد قسوة، ولو اتسع المقال لضمنته تصريحا لكل رئيس وزراء، خلال تلك الفترة، ونواياه وخططه في محاربة الفقر.
الأقضية المنكوبة هي؛ وادي عربة، الرويشد، غور الصافي، الحسينية، المريغة، الصالحية، دير الكهف، الضليل، القويرة، دير علا، أم الجمال والجفر، جميعها مصنفة حتى آخر دراسات (2010) كجيوب للفقر، فيما حددتها الحكومة العام 2016 من ضمن المناطق التي تحتاج إلى تدخلات تنموية.
منذ العام 2002 (وهو العام الذي تتوفر فيه أرقام وأسماء جيوب الفقر رسميا)، ومع تطبيق برنامج التحول الاقتصادي والاجتماعي، بدأت الحكومات بتحديد "بؤر فقر" أو جيوب للفقر، وهي تلك المناطق التي تقدر نسب الفقر فيها بـ 25 % فما فوق، حيث تم تصنيف 20 قضاء، وقتها، في المملكة كجيوب فقر.
خلال السنوات الخمس المنقضية، لم تكن الحال أفضل، فالاستراتيجيات محفوظة في الأدراج، والخطط متجزأة، ولا يمكن القول إن الرؤية متكاملة للتخفيف من حجم هذه الظاهرة المقلقة، ويتزامن ذلك مع برنامج إصلاح مالي جديد تطبقه الحكومات بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي.
مسألة الفقر وتردي المستوى المعيشي للأسر يجب أن تكون مؤرقة للحكومات، بسبب تشعب آثارها السلبية وتحديدا المزاج العام السيئ المحتقن الذي ينعكس بعد ذلك بأكثر من شكل، يبدأ بالعنف المجتمعي وارتفاع معدلات الجريمة، وأيضا تعميق الشعور بالإقصاء والتهميش، وما أصعب نتائج أن يشعر المرء بالإقصاء والوقوف على الهامش.
ثمة عاملان رئيسان باتا يسهمان في زيادة الشعور بالإقصاء، وهما ارتفاع معدلات الفقر، والفشل في انتشال الفقراء من عوزهم وتراجع المستوى المعيشي لشرائح مجتمعية عديدة، ما يعني أن القصة باتت أكثر تعقيدا، لأن انتشال المناطق من الفقر ممكن بزيادة مخصصات المعونة الوطنية.
أما تجفيف الشعور بالفقر فهذا الأخطر، وهو ما بات يشعر به الأردنيون عامة نتيجة ثبات المداخيل ومحدوديتها، وتآكلها نتيجة كثرة الضرائب وارتفاع الأسعار، ما يجعلها غير كافية للوفاء بالالتزامات الأساسية للأسر.
في مواقع التهديد يتشتت المسؤولون ما بين ذلك القادم من الحدود الشمالية للمملكة أو الغربي منها، مع التهديد الحقيقي والخطر الشديد القادم من هناك من جيوب الفقر، ومن الناس البسطاء الذين يشعرون أن سياسات الحكومات المتعاقبة وقصور رؤيتها وعدم كفاءتها، وعجزها عن اجتراح برامج حقيقية وتنفيذها، أدى إلى إفقارهم وتركهم وحيدين.
يتعاظم التهديد من حقيقة مفادها أن الحلول والرؤية ما تزال قاصرة، وأن الإمكانيات المالية المخصصة لمكافحة الظاهرة، التي تتسع باطراد، أقل بكثير من المطلوب، خصوصا أن معدلات النمو المستهدفة والمتحققة، أيضا، لا تكفي لتخفيض معدلات البطالة والفقر.
هؤلاء يعيشون بيننا هناك في المحافظات وأطراف العاصمة، والاستمرار بإهمالهم وسط سوء توزيع المكتسبات وضيق فرص العيش والعمل، يجعلهم مصدر التهديد الحقيقي، والبيئة التي يسهل اختراقها لكل أفكار التطرف والعنف والغضب، سواء من باب الخلاص أو من باب النقمة.