الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    "حماس الجديدة"!

    الوثيقة السياسية التي أعلنتها حركة حماس أول من أمس (وكانت قد مهّدت لذلك منذ شهور عبر بعض التسريبات والإشارات عن مضمونها) ستكون محور نقاش واختلاف وسجال كبير في قراءتها واستنطاق دلالاتها ومغازيها السياسية من قبل الدول والقوى والمثقفين وحتى الشارع العربي.
    بالطبع سيطفو على السطح توجّهان رئيسان، وقد أخذا بملء المشهد الإعلامي وشبكات التواصل الاجتماعي، الأول الذي يقول إنّ الحركة لم تتخلّ عن مشروعها ولا عن ثوابتها ومبادئها، بقدر ما طوّرت خطابها السياسي ضمن الأصول الثابتة، والثاني أنّ الحركة تسير على خطى حركة فتح والحركات الأخرى، في التنازل عن الثوابت والتوجه نحو البراغماتية والواقعية.
    من وجهة نظري لا هذه ولا تلك من القراءات تقترب من فهم جوهر الوثيقة الجديدة والتحولات التي عبّرت عنها في مسار الحركة وأفكارها، وهي تتجاوز قصة المواقف السياسية الراهنة إلى إعادة تعريف الحركة لنفسها بصورة جوهرية كبيرة، بما يتوازى ويتزامن مع التحولات والتطورات التي تمرّ بها عموم حركات الإسلام السياسي، وبصورة خاصة مرحلة الربيع العربي وما أفرزته من نتائج على مستوى القناعات الفكرية والسياسية.
    بالطبع لا يمكن تجاوز الضغوط السياسية الإقليمية على الحركة التي حاولت الدفع بها إلى القبول بالحدّ الأدنى من المشروعات الدولية ومشاريع السلام (أي حدود الرابع من حزيران 1967)، وهو ما فعلته الحركة في الوثيقة الجديدة مع شيء من التحايل والالتفاف عبر القبول بالدولة على حدود الـ67؛ وفي الوقت نفسه عدم الاعتراف بإسرائيل، وبتعريف الدولة الفلسطينية الموعودة بأنّها من النهر إلى البحر، وبالتمسك بعودة اللاجئين.
    دعونا نرفع الوهم تماماً، فمثل هذه الوثيقة لن تكون مقبولة من قبل الإسرائيليين، ولا حتى الأميركيين ونسبة كبيرة من الأوروبيين (أقصد هنا القوى السياسية)، وهي كذلك لن تكون شفيعاً للحركة مع النظام الرسمي العربي الذي يقيم عداءه معها ليس على قاعدة موقفها من التسوية السلمية فقط، بل ما هو أهم من ذلك خشيته من "البديل الإسلامي".
    جوهر التحول، إذاً، هو بكلمة واحدة "التسييس"، أي أن الحركة التي تأسس ميثاقها الرئيس في نهاية الثمانينيات على قاعدة أيديولوجية صلبة، تقوم على ثيمة الصراع الديني مع إسرائيل والجهاد في سبيل الله، وعدم الدخول في السياسة ومشروع البديل الإسلامي للأنظمة العلمانية ولحركة التحرير الوطني الفلسطيني العلمانية، وبوصفها جزءاً من جماعة الإخوان المسلمين الأم، ومشروعها هو استكمال لأدوار الجماعة وفريضة الجهاد، تعيد – أي الحركة- تعريف نفسها بصورة جذرية كبيرة بوصفها حركة كفاح وطني فلسطيني، مثلها مثل أي حركة كفاح ضد الاحتلال والاستعمار، بإضافة جزئية أنّها ذات مرجعية إسلامية وطنية.
    هذا التحول جوهري ورئيسي، بل وأزعم ضروري أيضاً، لأنّ الحركة في سلوكها وتحالفاتها ومواقفها تجاوزت الإطار السابق منذ فترة طويلة، فلا بد من إطار جديد يواكب ويتكيف مع التحولات والتغييرات التي طرأت على أفكار ومواقف الحركة!
    ما قامت به الوثيقة الجديدة أنّها فتحت الباب أمام قبول الحركة سياسياً، على صعيد إقليمي ودولي، مع مواربة في موضوع التسوية السلمية، لكن ما هو أهم من ذلك أنّ الحركة قفزت في موقفها من الديمقراطية والقبول بالآخر والشراكة الوطنية، والنظر إلى العالم نحو خطاب سياسي احترافي، فأعلنت القبول بهذه القيم والمفاهيم بصورة كبيرة.
    بالطبع، كان لخالد مشعل دور كبير في إنجاز هذه الدفعة في ختام زعامته للحركة، فأراد أن ينهى تلك المرحلة بوثيقة تنقل الحركة نقلة سياسية أيديولوجية كبيرة.





    [03-05-2017 10:07 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع