الرئيسية مقالات واراء
منحت المكالمة الهاتفية بين الرئيسين الروسي والأميركي زخما مهما لاجتماع آستانا الرابع حول سورية. التوتر في العلاقات بين الطرفين كان قد بلغ مستوى غير مسبوق بعد الضربة الأميركية لمطار الشعيرات، لكن الكرملين والبيت الأبيض يدركان أن لا مناص من العمل المشترك لاحتواء الأزمة الكارثية في سورية، على أمل حلها بشكل نهائي في المستقبل.
عملية آستانا صممت بالأساس لهذا الغرض؛ تثبيت وقف إطلاق النار في عموم سورية، لإعطاء المفاوضات السياسية في جنيف فرصة النجاح.
حدثت انتكاسات ميدانية كثيرة؛ حتى يوم أمس علقت المعارضة السورية مشاركتها في الاجتماعات، لدفع النظام إلى وقف إطلاق النار في عديد الجبهات المفتوحة. بالرغم من ذلك ما من طرف يريد لـ"آستانا" أن تموت كليا، لأن الثمن سيكون باهظا على الجميع.
الجانب الروسي أظهر خلال تحضيراته لهذه الجولة، رغبة بدفع الوضع الميداني خطوة إلى الأمام، ولهذه الغاية تقدمت موسكو باقتراح إقامة أربع مناطق "آمنة" في سورية. وصاغت الدبلوماسية الروسية اقتراحها على نحو يحاكي المقترح الأميركي، لكنها استبعدت تماما منه فكرة إخراج هذه المناطق من سيطرة النظام، وأبقت على أدوار لقوات الجيش السوري والمعارضة، إلى جانب قوة مراقبة من دول غير منخرطة بالنزاع السوري.
شجع هذا المقترح المعارضة السورية على المشاركة، وفي نفس الوقت، رفعت واشنطن من مستوى تمثيلها كمراقب في الاجتماعات بعد الاتصال الهاتفي بين بوتين وترامب.
سيمكن الاتفاق حول هذا المقترح إن تحقق اليوم، المبعوث الأممي لسورية ديمستورا من التحرك سريعا لدعوة الأطراف لجولة جديدة من المباحثات في جنيف، واستئناف المناقشات المثمرة حول قضايا المرحلة الانتقالية الأربع، وربما تحقيق بعض التقدم.
ميدانيا التفاهمات الروسية الأميركية ستجعل من الممكن مواصلة العمل بوتيرة أسرع لتحرير الرقة من قبضة التنظيم الإرهابي، وتذليل العقبات التي نشأت بفعل تعارض الأجندة الأميركية والروسية مع تركيا، التي تصر على استبعاد قوات سورية الديمقراطية من العملية العسكرية، وقد عرض أردوغان لهذه الغاية مشاركة قوات تركية إلى جانب الأميركية لتنفيذ عملية اقتحام الرقة.
جنوب سورية سيكون من بين المناطق المشمولة بالاقتراح الروسي، وهذا الأمر يعني الأردن بشكل رئيسي، ويخدم أهدافه الاستراتيجية، بتثبيت وقف إطلاق النار في المناطق المحاذية لحدوده، وتأمين حالة من الهدوء الدائم، وإلزام القوى المتحاربة عدم التصعيد بما يهدد أمنه، وعدم استهداف مواقع المجموعات العسكرية الحليفة، التي تعمل ضمن خطط التحالف الدولي لمحاربة المجموعات الإرهابية، وإبعادها عن الحدود الأردنية.
وفي حال التوافق الدولي على المقترح الروسي، لا يعرف بعد إن كان للأردن دور فيه عند التطبيق أم لا. لكن في كل الأحوال، نجح الأردن عبر مواءمته بين مختلف الأطر الدولية الخاصة بالأزمة السورية وعلاقاته المتينة مع الجانبين الروسي والأميركي، من ضمان المصالح الأردنية العليا، وعدم تعريضها لخطر التحولات المفاجئة بمسار الصراع.
الأردن حاضر اليوم في آستانا، وسيكون حاضرا في جنيف، وقبل ذلك هو في حالة اشتباك دبلوماسي وأمني مستمر مع عواصم القرار.