الرئيسية مقالات واراء
أطرف ما قرأته من ردود الفعل المتناقضة والمتباينة، تجاه وثيقة حماس السياسية الجديدة، تصريحات الناطق باسم حركة فتح أسامة القواسمي، ومطالبته حماس بالاعتذار للشعب الفلسطيني ولمنظمة التحرير الفلسطينية، بعد ثلاثين عاماً من التخوين والتكفير، ما تسبب، وفق القواسمي، بانقسام حادّ وتشويه للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة!
وجه الطرافة أنّني إلى الآن لا أعرف ماذا تريد بعض النخب السياسية العربية ومعها النظام الرسمي من حركات الإسلام السياسي عموماً، وحماس بوصفها إحدى هذه الحركات، فإذا تمسك الإسلاميون بمواقفهم الأيديولوجية وأصرّوا على إقامة الدولة الإسلامية، اتّهموا بأنّهم متطرفون ومتشددون، يريدون إعادة الناس قروناً للوراء، وإذا ما نجح التيار البراغماتي في أوساط الإسلاميين في جرّ حركاته إلى القبول بالديمقراطية والدخول في اللعبة السياسية والتخلّي عن الشعارات الأيديولوجية، والتحلي بقدر أكبر من المرونة والواقعية السياسية، اتّهموا بأنّهم يسعون إلى إرضاء الغرب، ويسعون وراء السلطة!
طيب ما المطلوب؟! أنا لا أفهم فعلاً، على صعيد نظري وفكري، على الأقل، أرجو أن يتبرع أحد هؤلاء "العباقرة" العرب بأن يشرح لي: بماذا نطالب نحن الإعلاميين والمثقفين، ومعنا الأنظمة العربية والسياسية، الحركات الإسلامية؟! ماذا نريد منهم؟! المرونة والواقعية والقبول بالديمقراطية والتخلي عن الخطاب الأيديولوجي الصلب أم العكس؟!
هل نريد داعش والداعشية أم الغنوشي؟! أزعم أنّ الجواب الذي سيقفز على لسان بعض القرّاء الأعزاء هو: لا أحد منهما، لا هذا ولا ذاك! جيّد، لكنّه جواب غير ممكن واقعياً، فأنا أمام تيار عريض موجود في الساحة، عليّ تحديد ماذا أريد؟ وكيف أتعامل معه؟! هل أدفعه إلى الاندماج في السياسة، أم إلى التطرف والعنف والمواجهة؟!
تلك هي "المعادلة الذهبية" التي لم تستوعبها أوساط سياسية وثقافية عربية عديدة حتى الآن، بالرغم من أنّ الأوروبيين، كما حدث مع تقرير اللجنة الخارجية في مجلس النواب البريطاني عن الإخوان المسلمين، أكثر إدراكاً لها منّا!
حماس، تحديداً، بقي النظام الرسمي العربي والفتحاويون يطالبونها بالمرونة والواقعية والتخلي عن الخطاب الأيديولوجي الحاّد، ثم تأتي ردود الفعل الفتحاوية على الوثيقة الأخيرة مسكونة بالاتهامات والتخوين!
الأطرف في ردود الفعل تلك أنّ القواسمي يتهم حماس بتكفير وتخوين الطرف الآخر، وهذا بالفعل حدث من قبل حماس والإسلام السياسي عموماً، الذي لا يخرج عن بلاءات الثقافة السياسية العربية، لكن فتح ألم تكن تخوّن هي الأخرى حماس وتكفّرها وطنياً ونضالياً وتتهمها؟! أليست هذه الردود نفسها محكومة بمنطق التخوين؟!
أمّا "تشويه القضية العادلة"، على حدّ تعبير القواسمي، فهو مرتبط بأمور أخرى كثيرة، بالصراعات الداخلية، بما فيها الانقسام داخل فتح نفسها، بالفساد الذي دبّ في أوساط السلطة الفلسطينية، بالسماسرة السياسيين، بغياب الأفق والبرنامج البديل لدى فتح، مع وقوع كل من فتح وحماس في مصيدة السلطة والصراع على الشكليات.
نحن بحاجة إلى دراسة موضوعية عميقة ودقيقة عمّا حدث مع حركة فتح، فالمسألة لم تقف عند حدود القبول بالحل السلمي، بل بتغيرات وديناميكيات أخرى، وبتحولات جوهرية في بنية الحركة، وبعلاقتها بالسلطة، وبالزعامات والعلاقة مع الأطراف الإقليمية والدولية، ففرضية استنساخ التجربة ليست دقيقة إذ أنّها تأخذ متغيراً واحداً وتترك متغيرات عديدة أخرى، منها طبيعة التحولات الكبيرة التي حدثت في بنية فتح وأدوارها!
بالضرورة مثل هذه الأمراض موجودة لدى الإسلاميين، وربما أكثر تعقيداً في بعض الأجزاء، لكن من المهم أن ندرك بأنّ المناكفات الداخلية والأزمات الثقافية والسياسية العربية- العربية، وما يحدث في العالم العربي اليوم من كوارث، كل ذلك بحاجة إلى تأمل عميق وإعادة قراءة حتى نعيد فهم أنفسنا بصورة دقيقة!!
FacebookTwitterطباعةZoom INZoom OUTحفظComment