الرئيسية مقالات واراء
استهجنت حكومة نتنياهو رد فعل الحكومة الأردنية على محاولة مواطن أردني طعن شرطي إسرائيلي في القدس المحتلة أول من أمس. الشرطي أصيب بجروح متوسطة، لكنه تمكن من إطلاق النار على الخمسيني محمد الكسجي فتوفي على الفور.
الحادث هو الثاني من نوعه فقد سبق لمواطن أردني"سعيد العمرو" أن نفذ محاولة مماثلة لقتل شرطي إسرائيلي في أيلول (سبتمبر) الماضي.
يومها تأخرت الحكومة في التعليق على الحادث فاستغل ذلك للتشكيك بموقفها من أوساط شعبية وأحزاب سياسية معارضة، لكن وزارة الخارجية أصدرت في اليوم التالي بيانا شديد اللهجة حاولت من خلاله احتواء موجة الغضب، ووصفت فيه قتل العمرو بالفعل الهمجي، وشككت بصحة الرواية الإسرائيلية، واعتبرت العمرو شهيدا.
تعليقا على الحادث الأخير أصدرت الحكومة هذه المرة بيانا بنفس مضمون البيان الأول، وإن كان بلهجة أقل حدة، ومع ذلك استقبل بترحاب من أوساط شعبية وناشطين على "السوشل ميديا" لما تضمنه من عبارات واضحة تدين ما اعتبرته الحكومة جريمة، تبعها إطلاق وصف "الشهيد" على الكسجي.
الموقف الرسمي يستجيب للرأي الطاغي في أوساط الأغلبية الساحقة من الأردنيين التي تدعم مثل هذه العمليات، وتبجل منفذيها بوصفهم شهداء.
لكن في الأوساط الرسمية وخارجها هناك وجه ثان للموقف، لا يمكن تجاهل موجباته وتبعاته.
بالنسبة للأردن، وبالاستناد إلى قرارات الشرعية الدولية، إسرائيل هى قوة احتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة العام 67 لا يعترف بوجودها ولا يقر بشرعية أعمالها. وقد استند إلى هذا المبدأ في موقفه مما يمكن وصفه بعمليات مقاومة الاحتلال في تلك المناطق.
في المقابل؛ الأردن وقع رسميا معاهدة سلام واعتراف بإسرائيل كدولة باستثناء الضفة الغربية وقطاع غزة، والتزم بموجب هذه المعاهدة بالعمل على تحقيق السلام وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بالوسائل السلمية وعن طريق المفاوضات، وهو التزام ترجمه على مدار العقدين الماضيين بدور دبلوماسي نشط لتحقيق هذه الغاية.
السؤال، هل يتناقض هذا الالتزام مع موقف الحكومة تجاه عمليات الطعن التي ينفذها مواطنون أردنيون بحق جنود الاحتلال؟ وهل يمكن اعتبار الموقف الرسمي دافعا لمواطنين أخرين للقيام بعمليات مشابهة؟
لا انطلق في هذه الأسئلة من موقع معارضة العمليات ذاتها، فمقاومة الاحتلال بكل الوسائل حق مشروع للشعب الواقع تحت نيره، بل لصلتها بالحالة الأردنية بالدرجة الأولى، والوضع السياسي القائم بصرف النظر عن إجماعنا الوطني على رفض الاحتلال والتطبيع معه على المستوى الشعبي.
وفي اللحظة الراهنة، الأردن في وضع جيوسياسي بالغ الخطورة ويواجه المخاطر على كل الجبهات المحيطة، ويراقب بقلق بالغ جموح القيادة اليمينية في إسرائيل، ومحاولاتها توظيف الزخم الأميركي مع قدوم إدارة جديدة تقف في صف إسرائيل بدون تردد.
هناك حاجة بالطبع للتمييز في المواقف بين عملية القدس الأخيرة، وحادثة استشهاد القاضي رائد زعيتر على الجسر الرابط بين الأردن وفلسطين؛ فمهما سيق من مبررات تبقى في نظرنا جميعا عملا خسيسا وجريمة نكراء ينبغي أن يدفع مرتكبوها الثمن.
شعبيا؛ يمكننا بسهولة أن نتفق على توصيف للعملية التي حاول المرحوم الكسجي تنفيذها، لكن على المستوى الرسمي يبدو الموقف أكثر تعقيدا بالرغم من الوضوح الصارخ في البيان الحكومي.