الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    شعب من المرشحين والناخبين

    من بين الصفات التي تميز الأردن أنه بلد انتخابات بامتياز. باستثناء الحكومات ومجالس الأعيان، فإن جميع هيئاته التشريعية والأهلية منتخبة مباشرة من المواطنين.
    هذه الأيام نعيش واحدا من المواسم الانتخابية المهمة. قرابة 7 آلاف أردني وأردنية ترشحوا للمنافسة على نحو 2500 موقع في المجالس البلدية والمحلية واللامركزية.
    ولا تتوقف المشاركة الأردنية في الانتخابات على المجالس النيابية والبلدية، فهناك على الدوام منافسة انتخابية حامية الوطيس في النقابات المهنية والعمالية، وغرف واتحادات الصناعة والتجارة والمهن المتخصصة، والانتخابات الطلابية في الجامعات والمدارس، هذا بالإضافة إلى الجمعيات الخيرية والتعاونية والروابط العشائرية، والنوادي الرياضية والثقافية والهيئات العامة للشركات المساهمة.
    ولا تستثني الانتخابات فئة دون غيرها؛ فللنساء وأصحاب الاختصاص والمزارعين والشباب نوافذ انتخابية دائمة.
    إذا نظرنا لكل تلك الهيئات والمنظمات فسنجد أن فيها الآلاف من القيادات المنتخبة، وأضعافا مضاعفة ممن خاضوا التجربة ولم يحالفهم الحظ.
    ولو ألقينا نظرة للوراء، فسنكتشف أن عشرات الآلاف من الأردنيين قد خاضوا الانتخابات بكل أشكالها ومستوياتها في العشرين سنة الماضية. كتلة اجتماعية ضخمة من المرشحين، تفاعلوا مع ملايين الناخبين.
    وبالنسبة لهؤلاء الملايين فإن غالبيتهم مارسوا الانتخابات عشرات المرات - لا أقصد التصويت المعتاد أكثر من مرة في الانتخابات نفسها -؛ في البلديات والنيابية والنوادي والنقابات المهنية، وهكذا وصولا لديوان العشيرة.
    والمفارقة أنه وبالرغم من هذا الزخم الانتخابي الذي لاينقطع، والصناديق التي تعج بالأصوات والأوراق، والحملات الانتخابية التي لا تتوقف على مدار السنة، إلا أننا ما نزال نشكو من عجز في المشاركة الشعبية بصناعة القرار، وما تزال الأغلبية تشعر أنها معزولة ولا يسمع صوتها، لدرجة نردد معها على الدوام تعبير "الأغلبية الصامتة" في إشارة إلى القطاع العريض من الشعب "الغائب والمغيب".
    هل هذا هو واقع الحال أم أنه انطباع لا يمثل الحقيقة؟
    هناك بلا شك إشكالية مفاهيم عادة ما تصاحب تجارب التحول الديمقراطي في الكثير من الدول. من بين المفاهيم الإشكالية في الحالة الأردنية أن الأغلبية لا ترى في المشاركة بالانتخابات ممارسة للديمقراطية ومشاركة في صناعة القرار.
    ثمة فجوة مفاهيمية هنا ترتبط بتقاليد الممارسة الديمقراطية في الأردن، تحتاج من القائمين على صناعة القرار في الأردن ردمها كي يشعر الناخب أن لصوته في الصندوق أثرا مباشرا على حياته في المستقبل.
    وهناك جانب ثقافي أيضا وتوعوي؛ الناس يؤثّرون في صناعة القرار لكنهم لا يدركون قيمة هذا التأثير في الممارسة، فمن يفوز مرشحوه في غرفة صناعة عمان أو اتحاد طلبة الجامعة الأردنية مثلا، ويترجمون برامجهم الانتخابية لقرارات وسياسات، فهذا معناه أن صوت الناخب قد أحدث فرقا حقيقيا يستجيب لمصالحه التي اختار من أجلها هذا المرشح أو ذاك.
    الأرجح أن المواطن العادي عندما يشكو من تغييب صوته يكون في ذهنه المستوى الفوقي من مؤسسات صناعة القرار؛ البرلمان والحكومة فقط، باعتبارها المؤسسات الأكثر تأثيرا في حياته.
    هذا تقدير صحيح إلى حد كبير لكنه لا يعكس الصورة كاملة؛ فالمجالس البلدية والنقابية والعمالية وسواها من المؤسسات المنتخبة تؤثر بشكل كبير في حياة الناس، وترتبط بمصالحهم المباشرة على نحو يفوق ارتباطهم بالحكومة والمجالس النيابية.
    النقاش حول علاقة الانتخابات كممارسة ديمقراطية بعملية المشاركة في صناعة القرار، هو نقاش مفتوح ليس في الأردن فحسب، بل في عموم المجتمعات، وسيبقى كذلك إلى أن نتمكن من تطوير نماذج جديدة للديمقراطية.





    [08-07-2017 11:21 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع