الرئيسية مقالات واراء
وجهت منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم "اليونيسكو" صفعة قاسية لإسرائيل عندما صوتت بالأغلبية لصالح قرار يعتبر الحرم الإبراهيمي والمدينة القديمة في الخليل تراثا فلسطينيا خالصا أولا، ووضعه على قائمة المواقع المهددة بسبب الاحتلال ثانيا.
وقبل أيام قليلة كانت لجنة التراث العالمي في المنظمة الأممية تبنت قرارا اعتبرت فيه إسرائيل قوة احتلال في القدس.
القراران حظيا بدعم ومساندة كبيرة من الأردن، أشاد بها ممثل دولة فلسطين لدى المنظمة وقيادات فلسطينية رفيعة. وحال صدور القرار أول من أمس كان وزير الدولة لشؤون الإعلام الدكتور محمد المومني أول المرحبين به، باعتباره نصرا للأردن مثلما هو لفلسطين وشعبها.
القرار أغضب الإسرائيليين حد الجنون، وأطلق مسؤولون كبار تصريحات مبتذلة بعد التصويت. ولهذا الغضب ما يبرره بالنسبة لهم.
لقد عملت الماكينة الصهيونية منذ احتلال فلسطين على تصنيع رواية تاريخية مفبركة لتبرير شرعية احتلالها لأرض الغير، وطمس الرواية الفلسطينية الأصيلة. ودشنت على مدار عقود سردية تاريخية تجافي الوقائع والحقائق الماثلة.
ورغم إقرار العالم ومنظماته بحق الفلسطينيين التاريخي في القدس والخليل وعموم الأراضي المحتلة، إلا أن إسرائيل لم تتوقف عن محاولاتها لتزوير التاريخ.
قرارات "اليونيسكو" ورغم افتقارها لقوة القانون الكافية لتطبيقها، تبقى في نظر إسرائيل تهديدا لشرعية وجودها. لقد نجحت إسرائيل في تغيير الوقائع على الأرض، بالاستيطان والتهجير والتهويد، لكنها لم تفلح أبدا في شطب الرواية الفلسطينية التاريخية.
وليس صحيحا ما يقوله البعض بأن إسرائيل لا تكترث لمثل هذه القرارات، بدليل أنها ظلت ومنذ سبعة أشهر تحاول ثني "اليونيسكو" عن طرح موضوع الخليل على جدول أعمالها، ومن ثم شنت حملة دبلوماسية لإقناع الدول الأعضاء بعدم التصويت لصالح الخليل، لكنها أخفقت في مساعها. وبعد شعورها بالخسارة والعزلة في "اليونيسكو" فقد مندوبها صوابه، وغادر الجلسة ذليلا.
الخليل التي يمتد تاريخها لأكثر من ستة آلاف عام، ما تزال في نظر العالم مدينة فلسطينية بأحيائها ومقدساتها وأهلها البواسل، مثلما هى القدس إرث عربي فلسطيني بمقدساتها الإسلامية والمسيحية.
ذلك ما يجعل إسرائيل تشعر بالخيبة، فسنوات الاحتلال لن تكون قادرة على محو تاريخ يمتد لآلاف السنين.
صحيح أن قضية فلسطين تخسر زخمها على المستوى السياسي بسبب الظروف الكارثية التي يمر بها العالم العربي، والانقسام الفلسطيني الداخلي، لكن الرواية الفلسطينية لم ولن تفقد بريقها أبدا. وإذا كانت القوى الدولية المتحكمة تتجاهل معاناة آخر شعب في العالم ما يزال يرزح تحت نير الاحتلال، فإن قوى الخير في العالم، لا يمكنها التسليم بهذا الاختلال اللاأخلاقي بميزان القوى، وستبقى منحازة للفلسطينيين، بدليل القرارات المتواترة من "اليونيسكو" لصالح القدس والخليل وبيت لحم، ومن قبل منح فلسطين العضوية بالأمم المتحدة، وحركة المقاطعة العالمية لإسرائيل، التي اكتست طابعا دوليا، ووضعت دولة الاحتلال في دائرة العزلة.
لا تغير مثل هذه المواقف واقع الحال في فلسطين، ولا تخفف من معاناة الفلسطينيين تحت الاحتلال، لكنها تنزع عنه شرعيته، وتبقيه في نظر العالم واقعا مدانا لا يمكن التعايش معه، وأكثر من ذلك تكرس شرعية الرواية الفلسطينية، وهي أهم سلاح في المواجهة مع الاحتلال.