الرئيسية مقالات واراء
فوضى البيوت المهجورة في الأردن قصة ليس لها حدود، إذ لا توجد محافظة تخلو من هذه المشكلة التي لم يتم التخطيط بعد لاحتوائها، وتنظيم معايير لكيفية إغلاقها.
على امتداد المملكة سنجد فروعا لهذه المشكلة، ففي المحافظات تجد قرى بالكامل هجرها أهلها وتركوا خلفهم بيوتا آيلة للسقوط، صارت مع الزمن جزءا من حالة التشوه البصري والحضاري.
وعلى مدى سنوات الإهمال لهذه المشكلة التي طالما لفتَ إليها الإعلام وتحدث عنها، لم تجتهد أي مؤسسة لحل هذه المشكلة، رغم الكوارث الكبيرة التي خلفتها والظواهر التي ولدتها، بعد أن أصبح عددها بالآلاف.
النسيان أو الإهمال قاد أصحاب الأمراض لاستغلال هذه البيوت، والإتيان بأفعال مخالفة للقانون يقشعر لها البدن، بدءا من تعاطي المخدرات، وليس انتهاء بارتكاب جرائم، كان آخرها جريمة مخيم الحسين التي ذهب ضحيتها الطفل السوري.
البيت المهجور وغير المضاء كان ملاذا لحيوان اختطف طفلا بريئا، وارتكب بحقه كل بشاعة الكون، رغم أن الموقع ليس السبب الوحيد لارتكاب مثل هذه البشاعة التي لا تخرج إلا من نفسية مشوهة مريضة، لكن البيت المهجور أوجد ملاذا للتنكيل بالطفل الذي اصطف كل أصحاب الضمير خلف أهله، ودانوا المجرم مطالبين بإعدامه.
المشكلة أكبر مما نظن، وهي تؤرق المجتمعات المحلية بعد أن تحولت تلك البيوت إلى مكاره صحية، وأماكن لتجمّع النفايات والحيوانات الضالة والحشرات، في ظل تقاعس الجهات المعنية عن إيجاد حلول مناسبة للمشكلة، رغم أن أذى القوارض والحشرات يهون أمام الأذى الذي يتركه مجرم بشع يلجأ إلى هذه الأماكن للتعبير عن أمراضه وانحرافاته.
الظاهرة تتسع ومخاطرها تتضاعف، وربما كانت الحادثة الأخيرة الإنذار الأقوى للجهات المعنية للتفكير بكيفية تخليص المجتمعات المحلية من مخاطرها وتهديداتها، إما بهدم تلك الأبنية، أو إلزام مالكيها بتنظيفها وإغلاقها بشكل محكم، لكي لا تظل ملجأ لأرباب السوابق.
لا أدري إن كانت هناك قاعدة بيانات دقيقة حول المنازل المهجورة وأعدادها في المملكة، لكنها بالتأكيد بالآلاف ويرتفع العدد يوميا في ظل التحولات الاجتماعية الكبيرة وتغيّر أنماط الحياة ومستوياتها، ما يستدعي اليوم قبل الغد وضع سياسة للسيطرة على هذه المساكن التي لا أبالغ إن قلت إنها خارجة عن السيطرة الرسمية لناحية تنظيمها أو تحصينها من أن تكون ملاذا للمجرمين.
القصة ليست سهلة، وحلها تأخر كثيرا، ما أوجد الكثير من المعوقات الفنية والقانونية التي تحول دون التمكن من إزالة المباني، أو إغلاقها بشكل غير ضار، أقله للتخفيف من التشويه البصري.
العملية ربما تحتاج إلى فرق ميدانية تجمع المعلومات المطلوبة حول تلك البيوت، ثم تبويب هذه المساكن واتخاذ قرار حاسم بشأنها، شريطة أن لا تبقى مسرحا للتشوهات والجرائم.
الجهات المعنية ستقول إن لديها خطة وإنها بدأت بالفعل بإغلاق المهجور من المنازل، ولكن الاكتفاء بالتبريرات لن يقينا من ظاهرة يتسع مداها مع تزايد وتطور شكل الجريمة والنمو السكاني.
الدور ليس فقط على الجهات الحكومية والرسمية، بل هي مسؤولية كل فرد، وربما على العمانيين الذين ارتكبت الجريمة في أحد بيوتهم المهجورة أن يتحركوا لتنظيف مدينتهم من هذه الظاهرة الخطرة، وعلى مؤسسات المجتمع المدني أن لا تسكت عن المشكل الذي يندرج أيضا ضمن انتهاكات حقوق الإنسان، وأحد التشوهات الظاهرة بالحياة العامة.