الرئيسية مقالات واراء
تعمدت وسائل إعلام عربية وإقليمية، وما تزال، إغفال مشاركة الأردن الفعالة في اتفاق عمان لوقف إطلاق النار في الجنوب السوري، والذي غدا حدثا عالميا مهما، واختراقا كبيرا في المشهد السوري المستعصي على الحلول السياسية.
لقد أسقطت صحف وفضائيات وتصريحات لمسؤولين، عن عمد، اسم الأردن من الاتفاق وقدمته بوصفه اتفاقا روسيا أميركيا، دون ذكر لعمان التي شهدت جولات الحوار وصولا لتوقيعه من الأطراف الثلاثة.
لم تكن عمان مجرد عاصمة استضافت محادثات لمسؤولين روس وأميركيين، بل كانت طرفا مباشرا فيها، وقعت حكومتها على الاتفاق إلى جانب توقيع ممثلين عن حكومتي موسكو وواشنطن.
هناك دوافع معروفة خلف موقف بعض وسائل الإعلام؛ فهي في الغالب تتبع لدول وتيارات لا تفضل أبدا أن ترى الأردن يلعب دورا مهما في المنطقة، أو يرتبط اسمه بإنجاز جمع أهم قطبين في العالم.
لكن ماذا عن بقية العالم؟
حتى في إعلام دول عربية حليفة للأردن، ثمة تجاهل لدور الأردن، وإصرار على وصف الاتفاق بالروسي الأميركي.
اعتقد أننا ومنذ البداية قصّرنا في تقديم أنفسنا بشكل منصف.
المحادثات الثلاثية لم تكن مجرد جلسة يتيمة انتهت بتوقيع اتفاق دخل حيز التنفيذ الأحد الماضي، بل كان ذلك محصلة جلسات طويلة امتدت لأسابيع بين وفود تمثل الأردن وروسيا والولايات المتحدة.
فضّل المسؤولون الأردنيون أن لا يتحدثوا عن هذه المباحثات إلا بشكل مقتضب جدا وبعد أن كشفت عنها وسائل إعلام أجنبية. حصل ذلك على الأرجح بحسن نية ولضمان نجاح المباحثات، لكن جاء الثمن لهذه السياسة المتحفظة على حساب الأردن ودوره.
قبل أكثر من أسبوع على توقيع اتفاق عمان نشرت صحيفة عربية تصدر من لندن تفاصيل شبه مكتملة عن الاتفاق المنوي توقيعه في عمان، واستندت في معلوماتها لمصادر أميركية. لم يعلق مسؤول أردني على التقرير الصحفي، إلى أن تم التوقيع على الاتفاق وثبت لنا دقة ما ورد فيه من معلومات.
البيان الرسمي الذي صدر ليلة توقيع الاتفاق كان مختصرا للغاية، ولم يقدم تفاصيل عن دور الأردن في المباحثات، والمصالح الأردنية التي تحققت منه.
والمفارقة أنه وحتى تلك اللحظة لم يكن أحد في وسائل الإعلام الأردنية يعلم أن عمان تحتضن جولة حاسمة من المباحثات.
حدث بهذا المستوى كان يستدعي ترتيبات إعلامية تليق به، كأن يعقد مسؤول رفيع مؤتمرا صحفيا يعلن فيه تفاصيل الاتفاق والمكاسب الأردنية من ورائه، ويجيب عن أسئلة الصحفيين ووكالات الأنباء. تصرف كهذا كان سيجعل من الاتفاق حدثا أردنيا في نظر وسائل الإعلام العربية والعالمية، لا تستطيع معه تجاهل الدور الأردني.
لقد أدركنا منذ زمن عقم الأسلوب الرسمي في التعامل مع الأحداث والتطورات من حولنا، لكننا وعند كل حدث مفصلي نعود لنفس الأسلوب المتكتم بكل أسف.
المحادثات الثلاثية لن تنتهي عند توقيع اتفاق وقف إطلاق النار كما فهمنا من تصريحات مسؤولين روس وأميركيين، وستستكمل في عمان وأماكن أخرى للوصول إلى اتفاق أكثر أهمية لإقامة منطقة خفض توتر دائمة في الجنوب السوري وفق اقتراح روسيا. لنتابع كيف سيدير الأردن المرحلة التالية؛ بنفس الأسلوب الذي غمط حقنا أم أننا سنتعلم من الاتفاق الأخير الذي تذكرنا متأخرين أن له اسما؛ "اتفاق عمان"؟