الرئيسية مقالات واراء
الاشتباك الدبلوماسي الأردني مع الجانب الإسرائيلي مستمر رغم فتح سلطات الاحتلال أبواب"الأقصى" أمام المصلين. في الواقع الاشتباك هو السمة الدائمة لعلاقة الطرفين منذ فترة طويلة، خاصة فيما يتعلق بالحرم القدسي الشريف.
في الأشهر القليلة الماضية وجه الأردن عشرات مذكرات الاحتجاج على الانتهاكات الإسرائيلية للوضع القائم في المسجد الأقصى، وتدخلت فرق الدبلوماسيين الأردنيين في الميدان لرد هذه التجاوزات، وتوفير الأجواء الآمنة للمصلين.
الأزمة الحالية هى بلاشك نقطة فارقة في المواجهة المفتوحة لحماية المقدسات. حملة مكثفة من الاتصالات الدبلوماسية قادها الأردن مع دول مؤثرة ومع الجانب الإسرائيلي بالطبع، للحؤول دون توظيف العملية المسلحة في ساحات الأقصى، لتنفيذ إجراءات عجزت إسرائيل عن تطبيقها منذ سقوط القدس والمقدسات في يد الاحتلال قبل خمسين عاما.
يؤكد مسؤولون على صلة وثيقة بالملف، بأن الملك عبدالله الثاني قاد بنفسه حملة الاتصالات الدبلوماسية لاحتواء الهجمة الصهيونية على المقدسات بعد التطورات الأمنية الأخيرة. وأصدر توجيهات حاسمة بعدم الاستسلام لرد الفعل الإسرائيلي على الرغم من صعوبة الموقف.
كان الهدف الأولي من الحملة دفع سلطات الاحتلال للتراجع عن قرارها بإغلاق بوابات المسجد، وقد أثمرت تلك الاتصالات وكان آخرها مع نتنياهو، بقرار إعادة فتحها. لكن الجهود لم تتوقف؛ فما يشغل بال الملك حاليا هو عدم السماح لإسرائيل باستغلال العملية لتغيير الوضع القائم في الحرم القدسي الشريف، واستمرار العمل بالترتيبات التي تتولاها إدارة الأوقاف هناك.
لقد أبلغ مسؤلون أردنيون بوضوح شديد الجانب الإسرائيلي رفضهم القاطع لأية ترتيبات أمنية من جانب سلطات الاحتلال على مداخل المسجد الأقصى، لمخالفاتها قواعد وترتيبات الوضع القائم،والذي يعطي لحرس الأوقاف الحق في تأمين الحرم القدسي.
كان أمرا مقلقا جدا بالنسبة للأردن إنفراد قوات الاحتلال خلال الأيام الثلاثة الماضية داخل المسجد الأقصى المشرف. لقد بدا ذلك بمثابة تمرين على سيناريو كارثي لما يمكن أن تقدم عليه قوة الاحتلال في المستقبل.
في مواقف وأزمات مشابهة نجحت الدبلوماسية الملكية في إنقاذ الموقف قبل بلوغ الهاوية، وصون حرمة المقدسات من تدخلات قوات الاحتلال، وإدامة الوضع القائم وسط حراب المستوطنين وجنود الاحتلال.
ويتذكر الجميع واحدة من أخطر الأزمات التي مرت بها القدس والمقدسات قبل نحو سنتين، عندما صعّدت قطعان المستوطنين من اقتحاماتها للمسجد الأقصى وحولت قوات الاحتلال حياة المقدسيين إلى جحيم.
في تلك الآونة بلغ التوتر في العلاقات الأردنية الإسرائيلية مستوى غير مسبوق. استخدم الأردن كل مالديه من أوراق لردع الهجمات على الأقصى، وحضر نتنياهو إلى عمان للقاء الملك وتعهد على الملأ باحترام خصوصية الدور الأردني في رعاية المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، والمحافظة على الوضع القائم. كان ذلك في منتصف شهر رمضان، وعاد المصلون بعشرات الآلاف إلى باحات المسجد.
تنبئنا تلك التجارب بأمرين أساسيين، لايمكن لأي كان أن يطعن بهما. الأول، أن تدخل الملك عبدالله الثاني كان هو العنصر الحاسم في تجنيب المسجد الأقصى سيناريوهات مخيفة، وليس الجعجعة والبيانات الشعبوية. والأمر الثاني، أن استمرار الأردن في تأدية واجبه يتطلب دعما وتنسيقا فلسطينيا وعربيا وإسلاميا في مواجهة سلطة احتلال ثبت بالخبرة الطويلة أنها لاتعبأ بخرق القانون الدولي، مادام العالم مستعدا لغض الطرف عن انتهاكاتها.
في مؤتمر حول القدس عقد قبل أشهر في تركيا أشاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بدور الأردن والملك الحاسم في حماية القدس والمقدسات وطالب العرب والمسلمين بدعمه.
بدل المزاودة واللعب على العواطف، ماذا لو أطلقت القوى السياسية والبرلمانية نداء للبناء على دعوة أردوغان لحشد الدعم العربي والإسلامي للأردن في معركته للدفاع عن المقدسات؟