الرئيسية مقالات واراء
تجاوزت إجراءات قوات الاحتلال الإسرائيلي في المسجد الأقصى رد الفعل المعهود على عمليات طعن وقنص جنود الاحتلال في الضفة الغربية المحتلة.
ثمة اعتقاد لا تعوزه الأدلة والبراهين على أن تيارات اليمين المتطرف والجماعات الدينية اليهودية والمستوطنين في إسرائيل، يدفعون باتجاه استغلال "عملية الأقصى" لفرض وقائع جديدة في الحرم القدسي، والانقلاب على الوضع القائم، وصولا لفرض السيادة الإسرائيلية الكاملة على المسجد الأقصى، والسير في مخططات أشنع لتغيير معالم المكان وهويته الدينية.
التقديرات الإسرائيلية تراهن على الأوضاع الفلسطينية والعربية المتردية لتمرير هذه المخططات، وهناك في إسرائيل من يختلف كليا مع هذه التقديرات، وتجلى ذلك في الخلاف العلني بين جهازي "الشاباك" الذي عارض نصب البوابات الإلكترونية على مداخل "الأقصى" وشرطة الاحتلال في القدس التي تصر عليها.
الرهانات الإسرائيلية ليست خاطئة فحسب، بل كارثية أيضا. الأردن الجهة المعنية مباشرة بإدارة شؤون الحرم القدسي الشريف لن يقبل تحت أي ظرف تغيير الوضع القائم والمتفق عليه هناك. وقد أعلن وزير الخارجية أيمن الصفدي هذا الموقف بوضوح تام لا يقبل التأويل. أي إجراءات أحادية الجانب من طرف سلطات الاحتلال هي بنظر الأردن إخلال جوهري ببنود معاهدة السلام. وإذا ما أصرت إسرائيل عليها فإنها تفرض على الجانب الأردني التفكير بكل الخيارات للوفاء بالتزاماته تجاه "الأقصى". لا يمكن للقيادة الأردنية الظهور بمظهر العاجز عن حماية المقدسات الإسلامية والمسيحية، والاستمرار في نفس الوقت بعلاقات طبيعية مع إسرائيل.
الإدارة الأميركية تعلم جدية الموقف الأردني بهذا الخصوص، وسفراء دول غربية وأجنبية في عمان سمعوا بوضوح من الصفدي موقف الأردن.
الفلسطينيون في عموم المناطق المحتلة، وداخل إسرائيل لن يسلموا أبدا بإجراءات الاحتلال.
لقد سبق لإجراءات استفزازية في المسجد الأقصى من قبل حكومة إسرائيل "حكومة شارون" أن فجرت انتفاضة فلسطينية عارمة قبل 17 سنة استمرت سنوات، ودفع الإسرائيلون ثمنا باهظا لاحتوائها.
الظروف الحالية أسوأ بكثير من زمن الانتفاضة؛ انسداد تام لأفق السلام، وسياسات إسرائيلية تتسم بالوحشية تجاه الفلسطينيين، استيطان وتهويد على مدار الوقت وحصار لا إنساني لحوالي مليوني فلسطيني في قطاع غزة. حرب السكاكين في شوارع المدن الفلسطينية والاستعداد العالي لعمليات فدائية مع دخول فلسطينيي الداخل على خط المواجهة، كلها عوامل تنبئ بانفجار وشيك. الوضع القائم حاليا في "الأقصى" قد يكون هو الشرارة التي تفجر انتفاضة فلسطينية لن تقف عند حدود الضفة الغربية، إنما تتعداها لتطال عمق إسرائيل.
الجسد العربي المشلول، لن يجد علاجا لصحوته أفضل من الضرب على الوتر المقدس منه. انتفاضة فلسطينية عنوانها المسجد الأقصى كفيلة بتوحيد الشارع العربي حول هدف واحد يتجاوز الصراعات الطائفية والحروب الداخلية.
ينبغي أن تدرك حكومة إسرائيل هذه الحقائق، قبل فوات الأوان. وينبغي على الجانبين الأردني والفلسطيني المشتبكين في جدل ساخن مع إسرائيل أن يتمسكا بما أعلنا من مواقف تستند لحسابات منطقية صحيحة.
لا يمكن لإسرائيل أن تفوز بمعركة "الأقصى" تحت أي ظرف. الإصرار على إجراءات استفزازية يعني مواجهة مكلفة على المستويين؛ السياسي والأمني، ستبدد أحلام إسرائيل بتوسيع نطاق التطبيع مع دول في المنطقة.