الرئيسية مقالات واراء
الاحتجاجات العشائرية التي أعقبت صدور الحكم على الجندي معارك أبو تايه الذي دانته المحكمة بقتل ثلاثة عسكريين أميركيين على مدخل قاعدة فيصل الجوية، مردها بدايات القضية وليس نهاياتها في المحكمة.
وهي ذات البدايات التي أدت أيضا لأزمة ثقة مع عائلات العسكريين القتلى في أميركا.
رافق الحادثة عند وقوعها قبل أقل من تسعة أشهر تصريحات وروايات رسمية متضاربة وغامضة، تكوّن على إثرها انطباعات متباينة عند الطرفين؛ ذوي الضحايا وعائلة الجندي الأردني ومن خلفهما قطاعات واسعة من الرأي العام.
على الجانب الأردني فهم من التصريحات والتسريبات أن الجندي أبو تايه تصرف دفاعا عن النفس، وطبق قواعد الاشتباك المقررة.
أما على الجانب الأميركي، فلم يكن هناك من هو على استعداد للتسليم برواية غير متماسكة تعوزها الأدلة. وتشكَّل انطباع عدائي في وقت مبكر ناجم عن شعور لدى عائلات الضحايا بأن الأردن يبحث عن أعذار للتخفيف من وقع الحادثة، وتجنب أزمة في علاقات البلدين الحليفين.
الحقيقة أن الجانب الأردني الرسمي حاول في وقت مبكر تذكير مختلف الأطراف أن المعلومات الأولية لا تكفي للوصول لخلاصات قاطعة بشأن ما حصل عند مداخل القاعدة، وطالب الجميع بالتروي لحين الانتهاء من التحقيقات. لكن الرواية الأولى كانت قد استقرت، ومدعومة بشعور تلقائي لتبرير فعلة الجندي الأردني. وبالنسبة لتيار غير قليل ثمة رغبة بتقديم الجندي كبطل تحدى مجموعة من العسكريين الأميركيين.
وفي ظل اتجاه عام يعادي سياسات الولايات المتحدة في المنطقة، لم نجد إلا قلة من الناس على استعداد للفصل بين موقفها من سياسات واشنطن الخارجية، وعلاقات التحالف الأردني الأميركي، وما تمثله هذه العلاقة من مصلحة أردنية مباشرة على الصعيدين الاقتصادي والعسكري. فالولايات المتحدة الأميركية هى أكبر داعم اقتصادي وعسكري للأردن.
بعد أشهر من التحقيقات، تجمع لدى جهات التحقيق ما يكفي من الأدلة لتوجيه اتهامات تدين الجندي أبو تايه. لم تكن واشنطن بعيدة عن أجواء التحقيق. في الأثناء كانت عائلات الجنود الثلاثة تتابع عن كثب المجريات، وتصعّد حملتها ضد الأردن للمطالبة بتعويضات وقصاص عادل لمرتكب الحادث. ونجحت هذه الحملة في لفت نظر كبريات الصحف ووسائل الإعلام الأميركية.
صحيح أن العلاقات مع واشنطن هي ثابت استراتيجي بالنسبة للأردن، مثلما هي نظرة واشنطن لدور الأردن المحوري في أمن واستقرار المنطقة، لكن الأردن ورغم ما يعاني من ظروف اقتصادية بالغة الصعوبة، وحاجته الماسة للمساعدات الأميركية، ما كان ليغامر بفبركة أدلة لإرضاء الجانب الأميركي، فترك لجهات التحقيق القيام بعملها وللقضاء ليقول كلمته.
ومثلما دان القضاء العسكري بحكم قابل للتمييز وجوبا "جندي الجفر" وفي قضية تخص الولايات المتحدة، فإن أعلى سلطة قضائية وهي محكمة التمييز رفضت قبل أشهر فقط الاستجابة لطلب أميركي بتسليم المواطنة الأردنية أحلام التميمي التي قضت في السابق عدة سنوات في سجون الاحتلال الإسرائيلي قبل أن يفرج عنها وتعود لعمان. وأشاد الجميع بنزاهة القضاء الأردني واستقلاليته.
إن ردود الفعل على حكم القضاء غير النهائي تعود لأسباب خارج نطاق القضاء، وتتطلب معالجة رسمية حكيمة لإصلاح أخطاء ناجمة عن اجتهادات غير موفقة. ينبغي على جميع الأطراف فصل المسارين تماما؛ هنا في الجفر وهناك في أميركا.