الرئيسية مقالات واراء
خبران يبعثان الأمل؛ الأول صدور حكم قضائي بحبس شاب ثلاثة أشهر وتغريمه 1500 دينار بعد إدانته بجرم الذم والتحقير بحق فتاة عاكسها، وعندما لم تستجب له وصدته، وجه لها عبارة اعتبرها القضاء ذما وتحقيرا.
المعلومات تشير إلى أن شابا كان تعرض لفتاة جامعية في الشارع، أثناء سيرها مع صديقاتها، وعندما صدّته قال لها: "ليش شايفة حالك، وجهك زي قاع طنجرة ستي"، ما سبب "ضررا نفسيا ومعنويا" لها، قررت على إثره تقديم شكوى للقضاء.
هنا، القضاء قال كلمته، واتخذ موقفا محترما ليس من شاب تجرأ على فتاة، بل من كل أشكال التحرش التي تتعرض لها الفتيات في مجتمع يفضل السكوت على هذه الظواهر السلبية التي تنخر في بنية المجتمع دون أن يستشعر أحد خطر ذلك ويضع حدا له.
القضاء قال كلمته المحترمة التي تحفظ حق المرأة وتحترم خصوصيتها وسط مجتمع ذكوري متواطئ، حتى صارت الخشية من "الفضيحة" مصدرا لتعدي الرجال على النساء.
أما الخبر الثاني، فيتمثل بأن عددا من المواطنين سجلوا قضيةَ "ادعاء بالحق الشخصي" لدى مدعي عام عمّان، ضد محتوى فيديو كان انتشر أخيرا على مواقع التواصل الاجتماعي لمذيع، اعتبر مسيئا للمجتمع الأردني بحمله على ملابس الفتيات ووصفهن بأوصاف "مهينة" و"تحريضية".
القضية سجلت من قبل 16 مواطنا ومواطنة، بينهم 5 محامين ومحاميات، واعتبروا في الشكوى أن المشتكى عليه "اقترفَ بأقواله وأفعاله جرائم الذم والقَدح والتحقير، والتحريض عليها، وعلى استخدام العنف، وإلحاق الأذى بالغير، وإرسال ونشر بيانات تُسيء إلى كرامة الأردنيين".
القضيتان، على اختلاف تفاصيلهما، تؤشران إلى مسألة مهمة وهي رفض التطاول على المرأة من ذَكَر يظن أنه يمتلك هذا الحق فقط لأنه من جنس آخر، وأن من حقه أن يقيّم المجتمع وينشر مواعظ الطهر والعفة فقط لأنه ذكر.
والقضيتان تقولان إن ثمة وعيا يتشكل برفض كل أشكال التطاول والوصاية، فالفتاة الشجاعة التي رفضت الإهانة وذهبت للقضاء لأخذ حقها ومعاقبة الشاب المتطاول ستكون أنموذجا لكثير من الفتيات ما يزلن مقتنعات أن الصمت على التحرش خير من الشكوى.
أما كلمة القضاء، فهي رسالة أخرى، ربما أكثر أهمية من سلوك الفتاة على شجاعته، وكأن القاضي الذي اتخذ القرار يبعث برسالة طمأنة لكل الفتيات بأن من واجبه حمايتهن بالقانون، ومعاقبة كل من يسيء إليهن.
هاتان القضيتان تعدان قاعدة صلبة للبناء عليها من أجل خلق ثقافة جديدة وبدعم من القانون تدين التحرش بالفتيات وتفضح تواطؤ مجتمع ذكوري يسكت عن حق البنات بدافع "السترة" أو حتى الخجل.
بعد ذلك تنضج الفكرة أكثر، فتخرج المرأة من عباءة المجتمع الذي طالما ظلمها وترك للرجل حق محاكمتها والتطاول على مكانتها وقمع حريتها.
باحترام المرأة وتمكينها قانونيا واقتصاديا، وبصون كرامتها وحريتها تتقدم المجتمعات، فالمعادلة واضحة، طرفاها النساء والرجال، ولا يمكن للمجتمع أن يتطور بمعادلة مشوهة، يظن نصفها "الرجل" أن له سلطانا مطلقا على نصفها الآخر "المرأة"، فهذه معادلة فشل وليس تقدم.