الرئيسية مقالات واراء
كنتُ في مقالٍ سابق (يوم الاثنين الماضي، وانقطعنا بعد جريمة السفارة الإسرائيلية في الرابية) قد ناقشت الأسباب والديناميكيات التي أدت إلى اندلاع الأزمة بين الحليفين الرئيسين (جبهة النصرة= هيئة تحرير الشام حالياً وأحرار الشام، وكانا يشكلان معاً جيش الفتح، ثم سيطرا على إدلب، قبل أن ينقلب التحالف إلى صدام).
ونستكمل اليوم الحديث عن الأسباب التي أدت إلى انتصار ساحق سريع لهيئة تحرير الشام وانهيار حركة الأحرار، فاستسلم أعضاؤها أمام تحرير الشام، وخسرت العديد من القرى والبلدات من دون قتال حقيقي، وكذلك الأمر مع معبر باب الهوى الاستراتيجي مع تركيا؟
الجزء الكبير من التحليلات يذهب إلى أنّ أفراد الأحرار لم يكونوا مهيئين أيديولوجياً وفقهياً لقتال النصرة، ففضّلوا عدم التورط في إراقة الدم، لعدم وجود فتاوى شبيهة بفتوى أبو اليقظان (المذكورة في المقال السابق)، التي يشرعن فيها قتل الأحرار، وحتى المدنيين، إذا تطلب الأمر!
أظن أنّ هنالك ما هو أهم من هذا السبب ويتمثل في تفكك حركة أحرار الشام، واضطرابها الأيديولوجي والفكري، وعدم وضوح الرؤية أمامها. المفارقة أنّ القائد الحالي لهيئة تحرير الشام، هو أبو جابر الشيخ، الذي كان سابقاً قائد حركة أحرار الشام، وعضواً في مجلس الشورى، ثم اختلف مع قيادة الحركة (الأمير السابق أميرها مهند المصري، والحالي علي العمرو) وشكّل فصيلاً خاصاً سماه جيش الأحرار، قبل أن يعلن حلّه، وينضم إلى هيئة تحرير الشام، فيصبح قائداً عاماً لها.
لم يخرج الشيخ وحده بل خرج معه قائد الجناج العسكري السابق، أبو صالح الطحان، وعدد من شرعيي النصرة وقادتها، ما أدى إلى أزمة داخلية كبيرة بين تيارين، الأول المتشدد، الذي يؤكد على أهمية التحالف مع النصرة، وكان يمثله الشيخ قبل انشقاقه، والثاني الإصلاحي أو الثوري، الذي يمثّله قائد الجناح السياسي، منير السيال، ولبيب النحاس، وجيل شبابي أصبح يمسك بزمام الأمور بالحركة في الفترة الأخيرة.
أزمة العلاقة مع النصرة شكّلت دينامكية أساسية في مسار الحركة، منذ تأسيس جيش الفتح، والتقاط الحركة أنفاسها بعد مقتل الصف الأول من القيادات، وعلى رأسهم حسان عبود (في سبتمبر 2014)، الذي كاد أن يخلخل بنيان الحركة بأكمله، قبل أن تتماسك عبر تحالفها مع جبهة النصرة، والانطلاق من جديد في جيش الفتح.
إلاّ أنّ الخلافات السياسية والأيديولوجية بدأت تضرب بقوة وحدة الأحرار، وتماسكها التنظيمي، مع الخلاف من جديد، بسبب المتغيرات الإقليمية، بخاصة، وهنا مربط الفرس، التحول في الدور التركي بعد محاولة الانقلاب الفاشلة، والتقارب الروسي- التركي، الذي اعتبر النصرة حركة إرهابية، ما أدى إلى تحولات عميقة في علاقة النصرة بتركيا، وترك الأحرار معلقين، بين العلاقة الاستراتيجية مع تركيا من جهة، والتحالف مع جبهة النصرة- هيئة تحرير الشام لاحقاً- من جهةٍ أخرى، الأمر الذي قسم الأحرار أنفسهم، وأدى إلى خلافات عميقة في الداخل، نتج عنها انشقاق صف قيادي مؤثر وفاعل، وانضمام أعضاء فيه لاحقاً إلى "تحرير الشام".
يتضافر مع الأسباب السابقة التراجع الكبير في الدعم التركي والقطري لأحرار الشام، وكانت الابن المدلل، والحليف الأقوى لهذا التحالف الإقليمي، وإلى الآن هنالك غموض شديد فيما يتعلق بأسباب عدم تدخل القوات التركية لمساعدة الأحرار في مواجهة "تحرير الشام"، هل كان مرتبطاً بهدف تركي غير معلن، أم بالانهيار السريع المفاجيء للأحرار، ما لم يسعف الآخرين بمساعدتهم!