الرئيسية مقالات واراء
للمرة الأولى منذ تأسيس السلطة الفلسطينية يقرر الرئيس الفلسطيني محمود عباس وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل.
لم يلتفت الكثيرون في العالم العربي لقيمة هذا القرار إلا بعد أن لاحظوا التزام عباس مكتبه في رام الله قبيل أزمة المسجد الأقصى بقليل، وعدم قيامه بجولاته الخارجية المعتادة. فكما هو معروف يحتاج الرئيس الفلسطيني إلى موافقة قوات الاحتلال لمغادرة الأراضي الفلسطينية، وهو إجراء لا يمكن إتمامه إلا في حال تفعيل آليات التنسيق الأمني بين الجانبين.
الرئيس الفلسطيني على ما تشير تقارير صحفية وتصريحات لمقربين منه، محبط وغاضب من الأوضاع في الأراضي المحتلة ومن مواقف الإدارة الأميركية، خصوصا من قضية "الأقصى" وسلوك حكومة نتنياهو المنافي لكل ما من شأنه استئناف مفاوضات حل الدولتين.
نقلت صحيفة الحياة اللندنية عن مسؤولين فلسطينيين قولهم إن عباس أظهر تشددا أكثر من السابق حيال التحركات الأميركية في أزمة الحرم القدسي. وقد تعززت لديه القناعة بأن مرحلة ما بعد "الأقصى" لن تكون كما كانت قبلها، خاصة في ظل مساندة شعبية قوية ضد السياسات الإسرائيلية.
حتى قبل سنوات مضت كان الرئيس عباس هو الشريك المفضل بالنسبة للإسرائيليين، مقارنة بالرئيس الراحل ياسر عرفات الذي دشن عملية السلام مع إسرائيل وبناء السلطة الفلسطينية، وانتهى به المقام محاصرا في المقاطعة بعدما رفض شروط اللعبة الإسرائيلية، ليلقى وجه ربه في ظروف تشير كلها بأصابع الإتهام نحو إسرائيل.
في السنوات الأربع الأخيرة ومع صعود اليمين في إسرائيل تبدلت النظرة لعباس، وحلّت مشاعر الكراهية نحوه محل التقدير والثناء، وصار بتعريف اليمين الصهيوني عدوا لإسرائيل يدعم الإرهاب وثقافة الكراهية!
السياق العام لعلاقة عباس والسلطة الفلسطينية مع إسرائيل يؤكد من جديد حقيقة حاول الكثيرون تجاهلها في مجرى الصراع وهي أن إسرائيل لا تريد شريكا في السلام العادل، بل تابعا ذليلا يلتزم بمشاريعها لتسوية قضية الشعب الفلسطيني.
ليس واضحا بعد إن كان الرئيس الفلسطيني الذي يعاني من ظروف صحية متقلبة قد بلغ نقطة اللاعودة في العلاقة مع إسرائيل. من الناحية السياسية معنى ذلك الاستسلام للوضع القائم، والتوقف عن اختبار الفرص الشحيحة.
على المستوى الشخصي ربما يكون موقف عباس مبررا. الرجل راهن بكل ما لديه على عملية السلام، وخسر من حضوره وشعبيته الكثير بسبب مواقفه، وها هو في نهاية المطاف لا يلقى من إسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة سوى التنكر، لا بل تصنيفه في خانة الأعداء، ناهيك عما لحق بالقضية الفلسطينية من جور وإجحاف في السنوات الأخيرة.
إذا ما طغت التجربة الشخصية لعباس بكل ما فيها من مرارة على موقف السلطة، فإن مصير عباس المعزول في رام الله لن يختلف عن مصير الرئيس عرفات عندما كان محاصرا في المقاطعة.
المؤكد ان إسرائيل لن تمدّ طوق النجاة لعباس، فهي منذ الآن تبحث بترتيبات ما بعد أبو مازن، وفي الحالتين تكسب الوقت والأرض.
يتعين على "أبو مازن" أن لا يستسلم لنهاية تكتبها إسرائيل مثلما فعلت مع "أبو عمار".