الرئيسية مقالات واراء
القصة في غاية التعقيد، استكمالا لموضوع خيارات الحكومة في توفير 550 مليونا، بحسب الاتفاق بينها وبين صندوق النقد الدولي، فمن ناحية يحتاج الأردن شهادة الصندوق بأنه ماضٍ بالإصلاح المفروض عليه من المؤسسة الدولية، لكنه من الجهة الأخرى يحتاج إلى رأي محايد حول قدرة الأردنيين على تحمل مزيد من الضغوط المالية في ظل محدودية الموارد وثبات المداخيل.
إذا نظرنا إلى تحقيق معدلات نمو مرتفعة كحل يغني عن قرارات صعبة، فالظاهر أن ثمة العديد من المعيقات تحول دون تحقيق معدلات نمو كبيرة تصل، ربما، إلى 7 % كحد أدنى، ولذلك أسباب متعددة على رأسها الحالة الإقليمية التي لا يظهر أنها ستنفرج قريبا، سواء لناحية انتهاء الحروب القائمة أو الأزمات السياسية وحالة الاستقطاب الحاصلة.
وكما يبدو، فإن حالة الحصار غير الرسمي للاقتصاد الأردني مستمرة، فمن ناحية ستبقى الحدود مع العراق، رغم تعدد الوعود بفتحها، مغلقة لعوامل ترتبط باللاعبين الحقيقيين في الساحة العراقية وأثر الدور الإيراني على قرارات بغداد، ما يضعف الأمل بفتح طاقة فرج من الحدود الشرقية.
أما الطريق إلى سورية فموصد إلى حين، ولا يبدو أن ثمة جديدا في الأفق، ما يعني أن البيئة الخارجية ستبقى تشكل عائقا أمام تحسن النمو وزيادة الصادرات، وكذلك أمام الاستثمارات، ويضاعف الأمر سوءا الأزمة الخليجية الأخيرة التي تنعكس بشكل سلبي على الأردن واقتصاده، فالمشهد الإقليمي، في مجمله، أدى إلى فقدان أسواق التصدير الرئيسية وإغلاق طرق النقل المهمة، ما يعد عائقا رئيسيا أمام التجارة ويضر بالقدرة التنافسية.
الحلول تنحسر أكثر فأكثر، وتتعقد بالنظر إلى أن كل الطرق الممكنة مغلقة في وجه الأردن، ومنها، أيضا، حصول المملكة على منح ومساعدات، فهو حل لا أمل فيه تبعا لقراءة المعطيات القائمة، كون الجميع يعلم تماما أن الدول العربية التي دأبت على تقديم المنح للأردن لم تجدد دعمها، رغم علمها بالضائقة المالية الكبيرة التي يمر فيها البلد.
بالنتيجة، ضعف فرص حل الإشكالية من خلال النمو أو المنح، يفتح التفكير على ضرورة الاعتماد على الذات كحل جذري، بتنفيذ الإصلاحات المطلوبة من الصندوق والتي ترتكز بشكل كبير على زيادة الإيرادات المحلية، من خلال وضع قانون جديد لضريبة الدخل يوسع قاعدة دافعي الضريبة، ويزيد الرسوم الجمركية على عديد سلع وخدمات أهمها وأكثرها حساسية المنتجات الغذائية المصنعة، إضافة إلى معالجة التشوهات في تعرفة الكهرباء التي كبّدت الخزينة خسائر طائلة وتسببت بتنامي المديونية في سنوات ماضية، وما تزال تكلف الحكومة الكثير نتيجة دعم بعض الشرائح المستهلكة للكهرباء، وتحديدا الفئات الفقيرة أو محدودة الدخل، والتي يقل استهلاكها عن 500 كيلو واط شهريا.
الحكومة ترى أن البرنامج الموقع مع الصندوق يسعى إلى إزالة الإعفاءات الضريبية تدريجيا من أجل تعزيز الإيرادات، وتحقيق استقرار الدين العام وتخفيضه مع الاستمرار في حماية أكثر الفئات ضعفا. ومن وجهة نظر رسمية يتوقع أن يؤدي إلغاء الإعفاءات إلى جعل النظام الضريبي أكثر كفاءة في جمع الإيرادات وتشجيع الاستثمار والعمالة، ناهيك أنه أكثر إنصافا، لأن معظم الإعفاءات تستفيد منها قطاعات أكثر ثراء من السكان.
وتتوقع الحكومة إدخال عدة إصلاحات، بما في ذلك الحد من التهرب الضريبي، وتعزيز الإيرادات الضريبية وحماية أكثر الفئات ضعفا.
المشكلة أن الحلول الجذرية المطروحة يستغرق تنفيذها فترات طويلة كي تصبح واقعا، هذا إن نجحت، بما في ذلك تقليص حجم الإنفاق الجاري وحجم القطاع العام وفاتورة الرواتب، إضافة إلى السعي لإيجاد أسواق تصدير جديدة، وتيسير ضمانات اقتراض الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، وحتى محاولات المجتمع الدولي مساعدة الأردن من خلال مؤتمر لندن الذي مضى عليه نحو عامين لم تكن متساوقة مع المستهدف تحديدا في مجال زيادة الصادرات للأسواق الأوروبية.
والفرق بين المطلوب والممكن كبير، والسؤال كم ستجسّر الحكومة بينهما؟