الرئيسية مقالات واراء
شرعت الحكومة مبكرا هذا العام في مناقشة خطتها المالية للسنة المقبلة. اجتماع ثلاثة من وزراء الفريق الاقتصادي "المالية والتخطيط والصناعة والتجارة" مع لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية، مثّل بداية لنقاش ماراثوني طويل وصعب بين الحكومة والنواب حول مشروع قانون الموازنة للعام 2018.
الاجتماع يمكن اعتباره محاولة لجس النبض، وقياس ردود الفعل المحتملة نيابيا وشعبيا على حزمة الإجراءات المتوقعة للعام الجديد، خصوصا فيما يتعلق بزيادة محتملة على ضريبة المبيعات وتعديلات قانون ضريبة الدخل.
موقف وزير المالية عمر ملحس هو الأصعب مقارنة مع زميليه عماد فاخوري "التخطيط" ويعرب القضاة "الصناعة والتجارة"، فبينما تحدث الوزيران عما أنجزا في مجال اختصاصهما، كان على ملحس أن يتلفت يمينا ويسارا وهو يكشف أوراقه للعام الجديد بما تحتوي من أنباء غير سارة لجمهور المواطنين.
بالرغم من ذلك كان وزير المالية صريحا ومباشرا، وتجنب اللغة الدبلوماسية أو الرمادية في حديثه. وضع الحقائق كما هي دون تجميل؛ أشار للانجازات المتحققة على صعيد ضبط المديونية ونسب النمو وتخفيض النفقات، لكنه قال بوضوح إن تعديل قانون ضريبة الدخل التزام قطعته الحكومة لصندوق النقد والولايات المتحدة، وكان من قبل ذلك مطلبا لمجلس الأعيان.
لا يبدو من تعليقات أعضاء اللجنة النيابية أنهم قبلوا كلام الوزير، أما الجمهور فكان رده كما رصدته صفحات التواصل الاجتماعي بقدر التوقعات؛ غاضبا ومحتدا ويهاجم الوزير بقسوة تجاوزت النقد المشروع إلى التجريح الشخصي والإساءة.
لكن هذه "الغارة" المبكرة من الحكومة على قواعد النواب والرأي العام، تعد مناسبة لاختبار قدراتها على خوض معركة الموازنة على الصعيدين النيابي والشعبي، وتقدير حجم التعزيزات المطلوبة للجولات القادمة، وما تحتاجه من ذخيرة سياسية وإعلامية لكسب الدعم لخططها المالية.
لا يكفي أن يتوفر لديك في الفريق الحكومي وزير انتحاري مثل ملحس؛ يرمي الحقائق في وجهك كما هي ولا ينتظر ردة الفعل. ينبغي التفكير دائما بمآلات الأمور بعد تنفيذ العملية، فكم من عملية جراحية نجحت ومات بعدها المريض.
شخصيا أفضل وزيرا "صلد" من طينة الدكتور عمر ملحس، يعتني بالأرقام والحقائق كما هي في المستندات، لا البيانات والخطب الرنانة. لكن بموازاة ذلك يتعين على الفريق الوزاري أن يفكر بعقل سياسي، ويقيس النتائج قبل الانحياز للأرقام، ومقاربة كل الاحتمالات لكسب المعركة بأقل قدر ممكن من الخسائر.
لا مجال أمام الأردن سوى المضي في خطة الإصلاح الاقتصادي المتفق عليها مع صندوق النقد. أي حكومة تتولى المسؤولية اليوم ستكون ملزمة بذلك حتى لو كان رئيسها أمين عام الحزب الشيوعي، فلن يكون أمامه سوى المناورة لتحسين الشروط في التطبيق العملي.
في اعتقادي أن الأردن لا يمكنه الالتزام بالبرنامج الزمني المقرر لخطة الإصلاح. الإجراءات المطلوبة في ثلاث سنوات أكثر من قدرة الناس على احتمالها، ولا بد من إطار زمني أكثر مرونة، وفترة سماح لسنة واحدة "2018" ليتسنى للاقتصاد أن يتنفس قليلا ويحقق معدلات نمو أعلى ويخلق فرص عمل تخفف من معدلات البطالة، ليتمكن من تحمل السياسات التقشفية والزيادات المقررة على الضرائب.