الرئيسية مقالات واراء
بالنظر إلى التحليلات السابقة، يبدو أن الخيار الوحيد، بالقياس على الواقع، هو رفع الأسعار واتخاذ قرارات قاسية لتحصيل المطلوب من المال. لكن هذا الأمر ليس من السهل على الحكومة الإقدام عليه، وتحديدا بعد حزمة من الأزمات التي عمّقت فجوة الثقة مع المواطن، وعقّدت المزاج العام، ومنها على سبيل المثال لا الحصر أزمة الحويطات وأزمة حادثة السفارة التي أدت إلى مقتل أردنيين على يد حارس إسرائيلي، وبالرجوع أشهرا قليلة إلى الخلف يمكن وضع قائمة طويلة بالمشكلات التي ساهمت اكثر بـ"عطب" المزاج العام.
وسط هذه المعطيات على الحكومة تقدير حجم قدرتها على تنفيذ البرنامج بنجاح، وتحديدا المتعلق بجمع المبلغ المطلوب، مع قياس الخسائر المتوقعة ومحاولة التكهن بردود الأفعال، ما يقود إلى نتيجة على الجميع أن يقدرها وهي أن الإقدام على تنفيذ المتطلبات أمر غير ممكن، وبالتالي تحتاج الحكومة إلى تفكير مختلف بالتعامل مع الصندوق.
أطراف رسمية ومسؤولون بخبرات مهمة يردون مباشرة برفض أي مقترح آخر، اللهم إلا الالتزام بما وضعه الصندوق، وحجة هذا الفريق أن تأخير القرارات القاسية أو الإصلاحات، كما يصفونها، سيحمّل الأجيال المقبلة كلفا طائلة، وأن أخطاء الحكومات في الماضي ليست مبررا للاستمرار بها أو تأخير علاجها. هؤلاء يرون أن كل السبل مغلقة باستثناء رفع الأسعار وزيادة الإيرادات المحلية. باختصار يرون أن التنفيذ لا مناص منه.
بالمقابل، ترشح معلومات تؤكد أن ثمة تفهما وإدراكا حكوميين للوضع، وتقديرا لصعوبة تحصيل مبلغ 550 مليون دينار، وأن من الأجدى الطلب من الصندوق تخفيض المبلغ المطلوب إلى النصف، وهذا جيد بشكل مبدئي، لكن من قال لكم إن جني ربع مليار دينار ممكن في الأصل؟
للإنصاف، الحكومة تدرك صعوبة الخطوات المطلوبة، وتفكر كثيرا في ماهية التعامل مع شروط الصندوق، وهنا يأتي الدور على الشركاء من دول مانحة تتفهم جيدا انعكاس الحال الإقليمية على الأردن، وتدرك الثقل الكبير الذي ألقته على الاقتصاد، خصوصا في ملف اللاجئين السوريين الذين يبلغ عددهم نحو 1,2 مليون نسمة، والأخذ بالحسبان الزيادة الكبيرة والطارئة في عدد السكان، إذ من يصدق اليوم أن عدد سكان المملكة تجاوز 10 ملايين نسمة.
في ظل وضع كهذا، النصيحة المثلى، والحل الممكن يكمن في أن تسعى الحكومة لتأجيل القرارات المتعلقة بجباية المال مدة عام مثلا، تسعى خلاله إلى استكمال الإصلاحات التشريعية المطلوبة، وتحسين بيئة الأعمال، وفتح أسواق جديدة، ما يهيئ الوضع لزيادة الأسعار دون أن تكون هناك كلف أمنية لمثل هذا القرار.
كما يلزم فتح حوار صحيح مع الصندوق يشرح الحالة العامة، بحيث يربط الرقمي بالسياسي والأمني والاجتماعي، بطريقة تقنع الصندوق بجدوى تمديد مدة البرنامج من ثلاث إلى ست أو سبع سنوات مثلا، وذلك ممكن، خصوصا أن كل القراءات تقول إننا لن نودع الصندوق بنهاية البرنامج الحالي، بل سنضطر إلى توقيع برنامج جديد لا نعرف فترة سنواته!
حساسية الأردنيين تجاه رفع الأسعار والضغط على معيشتهم، باتت مفرطة، ولا يمكن التكهن بنتائجها، لذا فإن من الأفضل البحث عن حلول أخرى، وحكومة د. هاني الملقي لا تحتاج لمثل هذه السياسات، بل تحتاج إلى سياسات تقرّبها أكثر من الناس في سنوات عملها المقبلة.
خلال الفترة الحالية ستبدأ الحكومة بـ"هندسة" موازنة العام المقبل، وعليها قبل أن تضعها بشكلها النهائي أن تحسم التفاوض مع الصندوق، بحيث تمضي بثبات نحو المستقبل بخطة تعلم أنها قادرة على تنفيذها، وأنها لا تسير بحقل ألغام من القرارات الصعبة التي لا تعرف متى وكيف تتجاوزها بسلام!
بين فريقين يظن أحدهما أن من المعيب الطلب من الصندوق تمديد عمر البرنامج لمنح الحكومة سنة سماح، وآخر يقر بضرورة ذلك، يبقى الأردنيون بانتظار ما سيحدث. وقبل كل ذلك على جميع الأطراف التجرؤ على طرح السؤال المهم: هل تكفي الثقة القائمة لإقناع الناس بضرورة التنفيذ، وأن للتأجيل كلفا باهظة سيدفع الجميع ثمنها؟!!
كلمة أخيرة، لماذا تعتمد الحكومات على حلول تتعلق دائما بزيادة الإيرادات والضرائب، وتسقط من المعادلة الجزء المهم المرتبط بالنفقات؟