طريقة العرض :
كامل
الصورة الرئيسية فقط
بدون صور

اظهار التعليقات

احداث اليوم

الإعلان الدستوري والقطيعة مع "الأيديولوجيا الجهادية"


خطوتان مهمتان تسيران بسورية على الطريق الصحيح، تتمثل الأولى بالاتفاق مع قوات سوريا الديمقراطية، الذي يؤشّر إلى أنّ هنالك إمكانية كبيرة لتجاوز المرحلة الراهنة الخطيرة، إذا تمكّنت النخب السياسية الفاعلة، كما تفيد تجارب عديدة في الانتقال السياسي، من التوافق على القيم الوطنية الشمولية وقواعد اللعبة السياسية الجديدة. وتتمثل الثانية في الإعلان الدستوري، الذي أقرّته اللجنة المكلّفة وصادق عليه أحمد الشرع بصفته رئيس الجمهورية السورية.

يمثّل الإعلان الدستوري قطيعة واضحة مع الفكر السلفي الجهادي، لمن ما تزال لديه شكوك في أنّ هيئة تحرير الشام ما تزال تخبئ أجندة إسلامية- أصولية لحكم سورية، ولكن أهم ما في الإعلان القضايا الأربع الرئيسية المركزية؛ وحدة الأراضي السورية، والعدالة الانتقالية، وبناء دولة المواطنة والحرية والكرامة وسيادة القانون، وأخيراً الحكم الرشيد، وهي مفاهيم تبتعد بصورة كاملة عن الأيديولوجيا الإسلامية الجهادية، وحتى لدى عديد من الحركات الإسلامية التي انخرطت في اللعبة السياسية.

يتمثّل المعلم الثاني في الدستور السوري بإقرار مبدأ المواطنة بوصفها أساس العلاقة بين الدولة والفرد، ومبدأ فصل السلطات، وحماية حقوق الإنسان والحرّيات الفردية والعامة، بخاصة حرية المعتقد والدين والعبادة، بل يتجاوز الإعلان الدستوري كثيراً من الدساتير العربية، في معلمه الثالث، في تأكيده مفهوم الحقوق الثقافية من خلال تأكيد أنّ الدولة تحمي التعايش والاستقرار المجتمعي، وتحفظ السلم الأهلي، وتكفل التنوع والتعايش والحقوق الثقافية واللغوية للمجتمع السوري بمكوناته كافة. ومن الواضح أنّ في ذلك رسالة إلى الأقليات الكردية والعلوية والدرزية، وضمانة لهم دستورياً، في وقتٍ تحاول فيه إسرائيل شراء ولاء زعامات دينية وروحية درزية باستخدام بعض الدروز في الجولان المحتل.

إذا انتقلنا إلى المعلم الثالث فهو متعلّق بتأكيد أن المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات من دون التمييز بينهم في العرق أو الدين أو الجنس أو النسب، وهو مبدأ مهم يتناقض تماماً مع تراث السلفية الجهادية وخطابها الأيديولوجي. ثم في المادة 12 من الإعلان نفسه إقرار بمبدأ حقوق الإنسان وبالمواثيق الدولية والمعاهدات المعنية بهذا الأمر، وكذلك الإقرار في الحق بتأسيس الأحزاب السياسية وبعمل النقابات والجمعيات وحرية التعبير والرأي والإعلام والنشر، وبحقوق المرأة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

لا يمكن القول إنّ مثل هذه القيم والمبادئ المهمّة قد بدّدت تماماً المخاوف لدى نخب سياسية وعلمانية والأقليات من المستقبل، لكنها بالضرورة قطعت الطريق على هواجس وأقاويل واتهامات كانت توجّه إلى الإدارة الجديدة من زاوية، وأنّها، من زاويةٍ ثانية، تفتح المجال لتفاهمات وطنية وللغة الحوار السياسي، على الأقل خلال مرحلة التعافي الحالية (قرّرها الإعلان الدستوري بخمسة أعوام) إلى حين إعادة بناء البنية التحتية أو تجديدها، وعودة العدد الكبير من المهجّرين والنازحين والتعامل مع تحدّيات خطيرة متعلقة بوحدة سورية وسيادتها والسلم الأهلي.


قد يرى بعضهم أنّ الإعلان الدستوري قد أعطى الشرع سلطات وصلاحيات واسعة في تعيين اللجنة التي ستختار أعضاء مجلس الشعب، أو حتى صلاحياته باختيار ثلث الأعضاء، لكن هذه الصلاحيات مؤقتة ومرتبطة بالمرحلة الانتقالية، وهي سيف ذو حدّين، فإذا قام الرئيس ولجنته باختيار متوازن للمجلس وأعضائه، بما يشمل التنوّع الثقافي والعرقي والديني والسياسي، فإنّه يبرهن أنّ 'النيات سليمة'، وأنّه لا نية لنظام دكتاتوري وتسلّطي هناك، والعكس صحيح.

في هذا السياق، تخبرنا نظريات الانتقال السياسي أنّ المرحلة الانتقالية هي الأكثر خطورة، وربما خطوة واحدة غير محسوبة تؤدّي إلى نتائج وخيمة، وأنّ دور النخب السياسية المختلفة في هذه المرحلة مفتاح مهم من مفاتيح الاتفاق والنجاح، كما أنّ التوافق بين القوى القديمة- المحسوبة على النظام السابق والنخب الجديدة هو أيضاً مفتاحٌ مهم، وأنّ التدرج والتوافق الطريق الأفضل من الصراع والاحتراب. وفي الوقت نفسه، دراسة الحالة السورية مقارنة بتلك النظريات تجعل الاحتمال الأقرب إما نظاماً دكتاتورياً وإما فوضى داخلية، بينما الانتقال نحو الديمقراطية هو الأضعف، إلّا إذا قرّر السوريون والإدارة الجديدة والنخب السورية بوعيهم تقديم نموذج مختلف ومغاير، ما دام أنّ هنالك عاملاً إقليمياً داعماً لهذا الانتقال السلمي والديمقراطي، سواء تركيا أو الأردن أو قطر أو السعودية، وهي دول مهمّة في التأثير على اتجاهات الحكم الجديد في سورية.

جميع الحقوق محفوظة
https://www.ahdath24.com/article/296043/3