روى جلالة الملك عبدالله الثاني في كتابه “فرصتنا الاخيرة” عن لحظات الرعب التي سيطرت على رحلة صيد جمعته مع عدي صدام حسين خلال زيارة للعراق في الثمانينات.. وقال جلالته في كتابه:
رأى والدي ان من المستحسن تقديم بعض افراد العائلة من الشباب إلى عالم الدبلوماسية الدولية. وفي صباح احد الايام في أواسط ثمانينات القرن الماضي أعلن، ونحن نتناول طعام الإفطار، أنه ينوي زيارة العراق يريد أن يرافقه بعض افراد العائلة. وفي اليوم التالي التقينا في قصر الندوة وهو بناءً ذو طبقتين في مجمع البلاط الملكي، وكنا انا وشقيقي فيصل وابنا عمي طلال وغازي، وتوجهنا إلى بغداد على متن طائرة والدي.
حطت طائرتنا عند الغسق في مطار بغداد حيث كان في استقبالنا صدام حسين ونجلاه عدي وقصي . وبما أن المسائل الأمنية كانت دائماً من هواجس صدام، فقد جاء بعدة مواكب للتمويه، اتخذ كل منها وجهة معينة بينما توجهنا نحن إلى قصر الرضوانية الذي لم يكن بعيداً من المطار. المنزل الذي كان يسكنه والدي، والذي يحتوي على عشر غرف تقريباً، كان من دون ادنى شك شديد التواضع بالمقارنه. أما الرضوانية فكان مبنياً على المقاييس الكبرى، حجماً وفخامة، وكان يضم مئات الغرف برخامها المزخرف، والحنفيات المذهبة في كل واحد من حمامات القصر، والمفروشات المقلدة من طراز لويس الرابع عشر. كل هذه الابهة المظهرية لم تكن في حقيقة الأمر ما يتوقعه المرء من قائد بلد ينام على تراث من الأمجاد التاريخية والعز، وقد ترك لنا عجائب بابل القديمة وكان فيه حقبة من حقب التاريخ المشعة مركز الخلافة الاسلامية.
بعد تبادل المجاملات الاجتماعية العادية، أعلن والدي أننا سنمضي ليلتنا في بغداد وكان القرار ابن ساعته وبمثابة التفاته تضامن مع العراق الذي كان غارقاً في حرب دموية طويلة – في هذه الحالة – كما أعلن صدام – يزور الشباب غداً الحّبانية وهي بحيرة كبيرة في محافظة الأنبار إلى الغرب من بغداد حيث يتصيدون الأسماك ويسبحون. صدام كان عنيفاً دون رحمة، لكنه في الوقت نفسه كان شخصية ذات كريزما لافتة، وكان يعي نوعا غريبا من الطاقة الشخصية. جمع في شخصه انفعلات الرجل القبلي التقليدي من جهة، ونفحة الذكاء والمعرفة في شؤون الحياة من جهة ثانية . شخصية جديرة بالمراقبة والفهم.
صباح اليوم التالي التقينا جميعا على الموعد في بهو القصر، وقلت لقصي: “كلنا رغبة في رحلة الصيد هذه ، لكننا لم نأتي بملابس السباحة”، فأجابني قصي: “اطمئن، سنزودكم بكل ما تحتاجون اليه”.
ركبنا الطائرة من بغداد إلى الحبانية وذهبنا مباشرة إلى قصر قريب من البحيرة كي نغير ملابسنا. في غرفة الملابس وجدنا، أنا وطلال وغازي، أن قمصاناً صبيانية زاهية الألوان قد احضرت لنا فارتديناها. صحيح أن العراق والاردن يتكلمان اللغة ذاتها ، لكننا دون ريب لم نكن نشارك قصي وعدي ذوقهما في الملابس.
لكن نحن ضيوف ولا خيار لنا ، أما عندما خرجنا بقمصاننا الجديدة الزاهية فقد انفجر أحد افراد الحرس ضاحكاً عندما شاهدنا.
ركبنا نحن الستة زورقاً صغيراً من النوع الذي يجر وراءه المتزلجين على الماء واتجهنا نحو وسط البحيرة، عندئذ سأل فيصل أين قصب الصيد والصنانير؟ ابتسم عدي وسحب من قعر الزورق كيساً من البلاستيك مليئاً بالديناميت، تناول اصبعاً من الكيس وهو يمج سيجاره الكوبي ثم أخذ السكين وبدأ يجرم الفتيل، وكانت الفكرة أن الفكرة أن الفتيل عندما يحترق يصدر صوتاً أشبه بالأزيز وذلك يتيح لك أن تعرف مدى اقربائه من نقطة الانفجار رفع عدي اصبع الديناميت، مبتسما ابتسامة عريضة ، واشعل الفتيل من طرف السيجار. بدأ الفتيل يرسل شراراً ثم توقف عن ذلك، فتمتم عدي: “لا نفع منه”، ثم رمى اصبع الديناميت إلى ارض الزورق وتناول اصبع اخرى.
وفي هذه الاثناء كان فيصل وغازي يتحدثان دون ان يبدوا عليهما اي قلق. لكن أنا وطلال كنا قد خبرنا المتفجرات جزء من تدريباتنا العسكرية، وكنا ندرك تماماً أن ما نشهده كان الخطر بعينه ما من جندي محترف الا يعرف أن الفتيل الذي يبدو، ظاهراً، انه انطفأ ربما لايزال يحترق. دفع بنا الخوف رجوعاً إلى مؤخرة الزورق وقد ابيضّ وجهانا رعباً ورحنا ندعوا الله ان لا ينفجر الفتيل الذي “لا نفع منه”.
الأصبع الثانية من الديناميت كان ايضاً “لا نفع منها”، الى أن صحت الثالثة وقذف بها عدي الى البحيرة. ما هي الا ثانية او اثنتان حتى انطلق انفجار هائل عكر فيها ذلك المشهد الطبيعي الهادئ والجميل. “حسناً ، فالنأت بها”، قال قصي مقترحاً أن نغطس ونجمع الاسماك الميته العائمة على سطح الماء.
قفز قصي الى الماء وأخذ يلتقط الاسماك ويرمي بها إلى الزورق. عند عودتنا من رحلة “صيد الاسماك”، كان والدي ينتظرنا في القصر، جاهزا في العودة إلى عمان.
روى جلالة الملك عبدالله الثاني في كتابه “فرصتنا الاخيرة” عن لحظات الرعب التي سيطرت على رحلة صيد جمعته مع عدي صدام حسين خلال زيارة للعراق في الثمانينات.. وقال جلالته في كتابه:
رأى والدي ان من المستحسن تقديم بعض افراد العائلة من الشباب إلى عالم الدبلوماسية الدولية. وفي صباح احد الايام في أواسط ثمانينات القرن الماضي أعلن، ونحن نتناول طعام الإفطار، أنه ينوي زيارة العراق يريد أن يرافقه بعض افراد العائلة. وفي اليوم التالي التقينا في قصر الندوة وهو بناءً ذو طبقتين في مجمع البلاط الملكي، وكنا انا وشقيقي فيصل وابنا عمي طلال وغازي، وتوجهنا إلى بغداد على متن طائرة والدي.
حطت طائرتنا عند الغسق في مطار بغداد حيث كان في استقبالنا صدام حسين ونجلاه عدي وقصي . وبما أن المسائل الأمنية كانت دائماً من هواجس صدام، فقد جاء بعدة مواكب للتمويه، اتخذ كل منها وجهة معينة بينما توجهنا نحن إلى قصر الرضوانية الذي لم يكن بعيداً من المطار. المنزل الذي كان يسكنه والدي، والذي يحتوي على عشر غرف تقريباً، كان من دون ادنى شك شديد التواضع بالمقارنه. أما الرضوانية فكان مبنياً على المقاييس الكبرى، حجماً وفخامة، وكان يضم مئات الغرف برخامها المزخرف، والحنفيات المذهبة في كل واحد من حمامات القصر، والمفروشات المقلدة من طراز لويس الرابع عشر. كل هذه الابهة المظهرية لم تكن في حقيقة الأمر ما يتوقعه المرء من قائد بلد ينام على تراث من الأمجاد التاريخية والعز، وقد ترك لنا عجائب بابل القديمة وكان فيه حقبة من حقب التاريخ المشعة مركز الخلافة الاسلامية.
بعد تبادل المجاملات الاجتماعية العادية، أعلن والدي أننا سنمضي ليلتنا في بغداد وكان القرار ابن ساعته وبمثابة التفاته تضامن مع العراق الذي كان غارقاً في حرب دموية طويلة – في هذه الحالة – كما أعلن صدام – يزور الشباب غداً الحّبانية وهي بحيرة كبيرة في محافظة الأنبار إلى الغرب من بغداد حيث يتصيدون الأسماك ويسبحون. صدام كان عنيفاً دون رحمة، لكنه في الوقت نفسه كان شخصية ذات كريزما لافتة، وكان يعي نوعا غريبا من الطاقة الشخصية. جمع في شخصه انفعلات الرجل القبلي التقليدي من جهة، ونفحة الذكاء والمعرفة في شؤون الحياة من جهة ثانية . شخصية جديرة بالمراقبة والفهم.
صباح اليوم التالي التقينا جميعا على الموعد في بهو القصر، وقلت لقصي: “كلنا رغبة في رحلة الصيد هذه ، لكننا لم نأتي بملابس السباحة”، فأجابني قصي: “اطمئن، سنزودكم بكل ما تحتاجون اليه”.
ركبنا الطائرة من بغداد إلى الحبانية وذهبنا مباشرة إلى قصر قريب من البحيرة كي نغير ملابسنا. في غرفة الملابس وجدنا، أنا وطلال وغازي، أن قمصاناً صبيانية زاهية الألوان قد احضرت لنا فارتديناها. صحيح أن العراق والاردن يتكلمان اللغة ذاتها ، لكننا دون ريب لم نكن نشارك قصي وعدي ذوقهما في الملابس.
لكن نحن ضيوف ولا خيار لنا ، أما عندما خرجنا بقمصاننا الجديدة الزاهية فقد انفجر أحد افراد الحرس ضاحكاً عندما شاهدنا.
ركبنا نحن الستة زورقاً صغيراً من النوع الذي يجر وراءه المتزلجين على الماء واتجهنا نحو وسط البحيرة، عندئذ سأل فيصل أين قصب الصيد والصنانير؟ ابتسم عدي وسحب من قعر الزورق كيساً من البلاستيك مليئاً بالديناميت، تناول اصبعاً من الكيس وهو يمج سيجاره الكوبي ثم أخذ السكين وبدأ يجرم الفتيل، وكانت الفكرة أن الفكرة أن الفتيل عندما يحترق يصدر صوتاً أشبه بالأزيز وذلك يتيح لك أن تعرف مدى اقربائه من نقطة الانفجار رفع عدي اصبع الديناميت، مبتسما ابتسامة عريضة ، واشعل الفتيل من طرف السيجار. بدأ الفتيل يرسل شراراً ثم توقف عن ذلك، فتمتم عدي: “لا نفع منه”، ثم رمى اصبع الديناميت إلى ارض الزورق وتناول اصبع اخرى.
وفي هذه الاثناء كان فيصل وغازي يتحدثان دون ان يبدوا عليهما اي قلق. لكن أنا وطلال كنا قد خبرنا المتفجرات جزء من تدريباتنا العسكرية، وكنا ندرك تماماً أن ما نشهده كان الخطر بعينه ما من جندي محترف الا يعرف أن الفتيل الذي يبدو، ظاهراً، انه انطفأ ربما لايزال يحترق. دفع بنا الخوف رجوعاً إلى مؤخرة الزورق وقد ابيضّ وجهانا رعباً ورحنا ندعوا الله ان لا ينفجر الفتيل الذي “لا نفع منه”.
الأصبع الثانية من الديناميت كان ايضاً “لا نفع منها”، الى أن صحت الثالثة وقذف بها عدي الى البحيرة. ما هي الا ثانية او اثنتان حتى انطلق انفجار هائل عكر فيها ذلك المشهد الطبيعي الهادئ والجميل. “حسناً ، فالنأت بها”، قال قصي مقترحاً أن نغطس ونجمع الاسماك الميته العائمة على سطح الماء.
قفز قصي الى الماء وأخذ يلتقط الاسماك ويرمي بها إلى الزورق. عند عودتنا من رحلة “صيد الاسماك”، كان والدي ينتظرنا في القصر، جاهزا في العودة إلى عمان.
روى جلالة الملك عبدالله الثاني في كتابه “فرصتنا الاخيرة” عن لحظات الرعب التي سيطرت على رحلة صيد جمعته مع عدي صدام حسين خلال زيارة للعراق في الثمانينات.. وقال جلالته في كتابه:
رأى والدي ان من المستحسن تقديم بعض افراد العائلة من الشباب إلى عالم الدبلوماسية الدولية. وفي صباح احد الايام في أواسط ثمانينات القرن الماضي أعلن، ونحن نتناول طعام الإفطار، أنه ينوي زيارة العراق يريد أن يرافقه بعض افراد العائلة. وفي اليوم التالي التقينا في قصر الندوة وهو بناءً ذو طبقتين في مجمع البلاط الملكي، وكنا انا وشقيقي فيصل وابنا عمي طلال وغازي، وتوجهنا إلى بغداد على متن طائرة والدي.
حطت طائرتنا عند الغسق في مطار بغداد حيث كان في استقبالنا صدام حسين ونجلاه عدي وقصي . وبما أن المسائل الأمنية كانت دائماً من هواجس صدام، فقد جاء بعدة مواكب للتمويه، اتخذ كل منها وجهة معينة بينما توجهنا نحن إلى قصر الرضوانية الذي لم يكن بعيداً من المطار. المنزل الذي كان يسكنه والدي، والذي يحتوي على عشر غرف تقريباً، كان من دون ادنى شك شديد التواضع بالمقارنه. أما الرضوانية فكان مبنياً على المقاييس الكبرى، حجماً وفخامة، وكان يضم مئات الغرف برخامها المزخرف، والحنفيات المذهبة في كل واحد من حمامات القصر، والمفروشات المقلدة من طراز لويس الرابع عشر. كل هذه الابهة المظهرية لم تكن في حقيقة الأمر ما يتوقعه المرء من قائد بلد ينام على تراث من الأمجاد التاريخية والعز، وقد ترك لنا عجائب بابل القديمة وكان فيه حقبة من حقب التاريخ المشعة مركز الخلافة الاسلامية.
بعد تبادل المجاملات الاجتماعية العادية، أعلن والدي أننا سنمضي ليلتنا في بغداد وكان القرار ابن ساعته وبمثابة التفاته تضامن مع العراق الذي كان غارقاً في حرب دموية طويلة – في هذه الحالة – كما أعلن صدام – يزور الشباب غداً الحّبانية وهي بحيرة كبيرة في محافظة الأنبار إلى الغرب من بغداد حيث يتصيدون الأسماك ويسبحون. صدام كان عنيفاً دون رحمة، لكنه في الوقت نفسه كان شخصية ذات كريزما لافتة، وكان يعي نوعا غريبا من الطاقة الشخصية. جمع في شخصه انفعلات الرجل القبلي التقليدي من جهة، ونفحة الذكاء والمعرفة في شؤون الحياة من جهة ثانية . شخصية جديرة بالمراقبة والفهم.
صباح اليوم التالي التقينا جميعا على الموعد في بهو القصر، وقلت لقصي: “كلنا رغبة في رحلة الصيد هذه ، لكننا لم نأتي بملابس السباحة”، فأجابني قصي: “اطمئن، سنزودكم بكل ما تحتاجون اليه”.
ركبنا الطائرة من بغداد إلى الحبانية وذهبنا مباشرة إلى قصر قريب من البحيرة كي نغير ملابسنا. في غرفة الملابس وجدنا، أنا وطلال وغازي، أن قمصاناً صبيانية زاهية الألوان قد احضرت لنا فارتديناها. صحيح أن العراق والاردن يتكلمان اللغة ذاتها ، لكننا دون ريب لم نكن نشارك قصي وعدي ذوقهما في الملابس.
لكن نحن ضيوف ولا خيار لنا ، أما عندما خرجنا بقمصاننا الجديدة الزاهية فقد انفجر أحد افراد الحرس ضاحكاً عندما شاهدنا.
ركبنا نحن الستة زورقاً صغيراً من النوع الذي يجر وراءه المتزلجين على الماء واتجهنا نحو وسط البحيرة، عندئذ سأل فيصل أين قصب الصيد والصنانير؟ ابتسم عدي وسحب من قعر الزورق كيساً من البلاستيك مليئاً بالديناميت، تناول اصبعاً من الكيس وهو يمج سيجاره الكوبي ثم أخذ السكين وبدأ يجرم الفتيل، وكانت الفكرة أن الفكرة أن الفتيل عندما يحترق يصدر صوتاً أشبه بالأزيز وذلك يتيح لك أن تعرف مدى اقربائه من نقطة الانفجار رفع عدي اصبع الديناميت، مبتسما ابتسامة عريضة ، واشعل الفتيل من طرف السيجار. بدأ الفتيل يرسل شراراً ثم توقف عن ذلك، فتمتم عدي: “لا نفع منه”، ثم رمى اصبع الديناميت إلى ارض الزورق وتناول اصبع اخرى.
وفي هذه الاثناء كان فيصل وغازي يتحدثان دون ان يبدوا عليهما اي قلق. لكن أنا وطلال كنا قد خبرنا المتفجرات جزء من تدريباتنا العسكرية، وكنا ندرك تماماً أن ما نشهده كان الخطر بعينه ما من جندي محترف الا يعرف أن الفتيل الذي يبدو، ظاهراً، انه انطفأ ربما لايزال يحترق. دفع بنا الخوف رجوعاً إلى مؤخرة الزورق وقد ابيضّ وجهانا رعباً ورحنا ندعوا الله ان لا ينفجر الفتيل الذي “لا نفع منه”.
الأصبع الثانية من الديناميت كان ايضاً “لا نفع منها”، الى أن صحت الثالثة وقذف بها عدي الى البحيرة. ما هي الا ثانية او اثنتان حتى انطلق انفجار هائل عكر فيها ذلك المشهد الطبيعي الهادئ والجميل. “حسناً ، فالنأت بها”، قال قصي مقترحاً أن نغطس ونجمع الاسماك الميته العائمة على سطح الماء.
قفز قصي الى الماء وأخذ يلتقط الاسماك ويرمي بها إلى الزورق. عند عودتنا من رحلة “صيد الاسماك”، كان والدي ينتظرنا في القصر، جاهزا في العودة إلى عمان.
التعليقات